باب القول فيما يصح أو يفسد من النكاح
  حنيفة وأصحابه، وقال الشافعي: لا ينعقد النكاح إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج.
  والدليل على ذلك قول الله تعالى: {يَٰأَيُّهَا اَ۬لنَّبِےٓءُ اِ۪نَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَٰجَكَ اَ۬لَّٰتِے ءَاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} إلى قوله: {وَامْرَأَةٗ مُّؤْمِنَةً إِنْ وَّهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ}[الأحزاب: ٥٠] فأحل تعالى للنبي المرأة بالهبة كما أحل بالتزويج، وإذا ثبت ذلك في النبي ثبت في جميع الأمة ما لم يمنع منه مانع من الشرع؛ إذ الأصل في الشرع أن حالنا كحاله إلا فيما خص به.
  فإن قيل: فقد قال تعالى: {خَالِصَةٗ لَّكَ مِن دُونِ اِ۬لْمُؤْمِنِينَۖ}[الأحزاب: ٥٠] فجعل ذلك خالصاً له ÷ دون ما سواه.
  قيل له: قد قيل في معنى قوله تعالى: {خَالِصَةٗ لَّكَ}: إن المراد به خالصة من غير مهر؛ لأن غيره ÷ لا تحل له المرأة إلا بمهر، ويدل عليه ما تقدم من قوله تعالى: {اِ۪نَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَٰجَكَ اَ۬لَّٰتِے ءَاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} ثم قال: {وَامْرَأَةٗ مُّؤْمِنَةً إِنْ وَّهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} فبين أن النكاح جائز له بالمهر وبغير المهر؛ لأن الأجور هي المهور، وقد قيل: إن المراد به خالصة لك فلا تحل لأحد من المؤمنين(١) بعدك، أو بعد فراقك إن فارقت، واستدلوا عليه بأنه لم يتقدم هذه اللفظة ما يجب تأنيثه غير المرأة، فوجب أن يرجع قوله سبحانه: {خَالِصَةٗ لَّكَ} إلى ذاتها دون ما سواها، وإذا كان الأمر على ما بينا لم يصح أن يقال: إن المراد العقد بلفظ الهبة، وإن ذلك هو الذي خلص للنبي ÷ من دون المؤمنين.
  ويدل على ذلك: ما رواه هناد أن محمد بن كعب القرظي وعمر بن الحكم قالا: إن التي وهبت نفسها للنبي ÷ ميمونة بنت الحارث، امرأة من بني بكر.
(١) في (أ) ونسخة في (د): المسلمين.