شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في شهادة النكاح

صفحة 126 - الجزء 3

  يزوجن أنفسهن بغير بينة» والبينة إذا أطلقت اقتضت الشهود العدول؛ لأنها اسم لما يبين⁣(⁣١) الشيء من جهته، والفاسق لا يتبين الشيء من جهته⁣(⁣٢) بشهادته، فاقتضى ما ذكرناه من الحديث أن تكون العدالة شرطاً في الشهود الذين ينعقد بهم النكاح.

  وأيضاً لا خلاف أن النكاح لا يثبت مع التجاحد بشهادة الفاسق، فوجب ألا يثبت حين الانعقاد بشهادته، بعلة أنه عقد نكاح.

  ولا خلاف أن النساء إذا انفردن لا يثبت بشهادتهن النكاح، فوجب ألا يثبت بشهادة الفاسق قياساً على شهادتهن منفردات، والمعنى أنه عقد معاوضة.

  ويقاس الفاسق على الكافر في أن النكاح لا ينعقد بشهادته بين المسلمين⁣(⁣٣)، والعلة ما هو عليه من الفجور.

  فإن قيل: لا معتبر بحال التحمل إذا كان من أهل الشهادة.

  قيل له: لسنا نسلم أن الفاسق من أهل الشهادة، ولا خلاف أنه يجب الاعتبار بحال تحمل الشهادة في عقد النكاح، ألا ترى أن الصبي والكافر لا ينعقد بهما النكاح، وكذلك العبد عند مخالفينا؟ فوجب ألا تجوز شهادة الفاسق، وأن يعتبر حاله عند انعقاد النكاح كما اعتبر حال غيره.

  ويشهد لنا قول الله تعالى: {وَأَشْهِدُواْ ذَوَےْ عَدْلٖ مِّنكُمْ}⁣[الطلاق: ٢] وقوله تعالى: {إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُواْ}⁣[الحجرات: ٦] فأوجب الكف عن إمضاء شهادة الفاسق.

  ويعضد قياسنا جميع أصول الشرع؛ لأن كل موضع احتيج فيه إلى الشهادة لم تجز فيه شهادة الفاسق. على أن شهادة الفاسق أسوأ حالاً من شهادة الكافر عندنا


(١) في (د): يتبين.

(٢) «من جهته» ساقط من (د).

(٣) في (أ): بشهادته لا خلاف بين المسلمين.