شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب النكاح

صفحة 131 - الجزء 3

  والثاني: أنكم لما فرقتم بين النكول والإقرار فجعلتم النكول بذلاً، وامتنعتم أن يكون الإقرار بذلاً قلتم: إن الإنسان مخير بين أن ينكل وبين أن يحلف، وليس هو مخير بين أن يقر وبين ألا يقر؛ لأن الإقرار إن كان الحق عليه ثابتاً وجب ألا يجوز الامتناع منه، وإن لم يكن الحق عليه كان كذباً لا يجوز الإتيان به، وهذا بعينه موجود في بذل القتل؛ لأن الإنسان إن كان دمه محظوراً لم يكن له أن يبذل قتل نفسه، وكان ذلك أعظم من أن يقر ولا حق عليه، وإن كان دمه مستحقاً لم يكن له أن يمتنع منه، فبان أن حكمه حكم الإقرار الذي امتنعتم من القول بأنه بذل أشبه⁣(⁣١)، فإذا ثبت ذلك ثبت انتقاض تعليلكم لإسقاط اليمين في النكاح، فإنه لا يصح بذله، وصح ما قلناه.

  ومما يؤكد ما قلناه ويدل عليه: أنا وجدنا كل حق إذا ثبت بإقراره لم يكن لرجوعه عنه حكم لزمت⁣(⁣٢) فيه اليمين إذا أنكر، وكل موضع يكون لرجوعه عنه حكم لم تلزمه اليمين، ووجدنا النكاح والطلاق وما أشبههما من هذه الأمور التي اختلفنا فيها إذا ثبت بإقرار المقر لم يكن لرجوعه عنه حكم، فوجب أن تلزم فيه اليمين، أو يقال: إن النكاح عقد معاوضة فوجب أن يكون حكمه حكم البيع في وجوب اليمين فيه.

  على أن قولهم: إن النكول بذل نفسه لا يصح؛ لأنه لو كان كذلك لم يصح من المريض إلا الثلث، ويفسد ما قالوه من أنا لو أوجبنا عليه اليمين، ثم لم نحكم بالنكول لأدى ذلك إلى إسقاط وجوب اليمين بالامتناع منه، وذلك أنه يمكن أن يقال: إذا لم يحلف حبس كما قلنا نحن وهم في القسامة.


(١) كذا في المخطوطات، ولعل العبارة هكذا: فبان أن حكمه بحكم ... إلخ.

(٢) في نسخة في (أ): تلزم.