باب القول في المهور
  والدليل على صحة ما ذهبنا إليه قول الله تعالى: {۞لَّا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ اُ۬لنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةٗۖ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَي اَ۬لْمُوسِعِ قَدْرُهُۥ وَعَلَي اَ۬لْمُقْتِرِ قَدْرُهُۥ}[البقرة: ٢٣٦] فأوجب المتعة بحصول الشرطين مع وقوع الطلاق:
  أحدهما: ألا يكون لها مهر مسمى، والآخر ألا يكون دخل بها، وهذا صريح ما نذهب إليه.
  فإن قال قائل من أصحاب مالك(١): قوله تعالى عقيب هذا: {حَقّاً عَلَي اَ۬لْمُحْسِنِينَۖ ٢٣٤}[البقرة]، يدل على أنه استحباب؛ لأنه جعله إحساناً، والإحسان يجري مجرى ما يتطوع الإنسان به أو يتفضل.
  قيل له: هذا الذي ذكرتم غير صحيح، وذلك أن قوله: {حَقّاً عَلَي اَ۬لْمُحْسِنِينَۖ ٢٣٤} يؤكد إيجابه، ألا ترى إلى قول الله تعالى: {وَلِلهِ عَلَي اَ۬لنَّاسِ حَجُّ اُ۬لْبَيْتِ مَنِ اِ۪سْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاٗۖ}[آل عمران: ٩٧] اقتضى وجوب الحج. على أن قوله: {وَمَتِّعُوهُنَّ} أمر يقتضي الإيجاب، وقوله: {حَقّاً عَلَي اَ۬لْمُحْسِنِينَۖ ٢٣٤} يؤكد الإيجاب.
  فإن قيل: لو كان واجباً لكان مقدراً.
  قيل له: لا يجب في كل واجب أن يكون مقدراً؛ لأن النفقات للزوجات والأقارب واجبة وليست مقدرة إلا بضرب من الاجتهاد، وهذا الضرب من التقدير فإنا لا نمتنع منه في المتعة.
  فإن قاسوا الطلاق على الموت على رواية الأحكام في أن الزوج إذا مات قبل الدخول بها ولم يكن فرض لها مهراً لم يجب لها مهر المثل.
  قيل له: فيجب أن يكون للطلاق تأثير في إيجاب أمر سوى التفرق كالموت،
(١) مذهب مالك أن لا متعة واجبة بحال، وهي مستحبة.