كتاب النكاح
  نقبل حديث امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت». ولئن كان هذا طعناً فيها فيجب أن تبطل أخبار الآحاد؛ لأن هذا قائم في جميع الرواة، فلما ثبت ذلك بطل جرحها.
  وأما علي # فجرح معقلاً بما هو في الحقيقة جرح، ألا ترى أنه قال: (لا نقبل قول أعرابي بوال على عقبيه)، وهذا وصف من لا يعرف الفرائض والسنن ولا يعمل بها، وهو أبلغ في الجرح، فوجب صحة جرحه وسقوط حديثه.
  وروي عن الزهري أنه قال: لم يزل الناس ينكرون هذا الحديث.
  فإن قيل: فقد قبله عبدالله بن مسعود.
  قيل له: لو ثبت أنه قبله كان جرح من جرحه أولى؛ لأن الجرح أقوى من التعديل. على أنه لا يثبت أن عبدالله قبله؛ لأن كان حكم فيه باجتهاده قبل سماع هذا الخبر، وإنما روي أنه لما سمع هذا الخبر سر به، وهذا لا يدل على أنه قبله ولا على أنه عمل به.
  ومما يدل على ذلك: أنه لا خلاف في أنه لو طلقها قبل الفرض والدخول كان لا مهر لها، فكذلك إذا مات قبلهما، والمعنى أنه فراق حصل قبل الفرض والدخول. وأيضاً لو حصلت الفرقة بينهما في حال حياتهما لم يجب لها مهر، كذلك إذا حصلت بالموت؛ دليله لو كان جرى بينهما عقد فاسد أو كانت أم ولد.
  يوضح ذلك: أن الموت يقرر ما أوجب لها في حال الحياة، وقد علمنا أن قبل الموت لم يجب لها شيء، فوجب ألا يجب بالموت كما لا يجب بالارتداد.
  فإن قيل: فإن مهر المثل يجب بالعقد، فوجب أن يؤكد بالموت كالمسمى.
  قيل له: لسنا نسلم أن مهر المثل يجب بالعقد، وإنما يجب بتراضيهما، أو بحكم الحاكم به مع اختيار الزوج لبقاء النكاح، ألا ترى أنه لو اختار فراقها لم يحكم الحاكم به، وكذلك لو تراضيا بدونه أو أكثر منه لم يجب؟ فبان أنه لا يجب بالعقد.