شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب النكاح

صفحة 195 - الجزء 3

  رفاعة فطلقني، فتزوج بي عبدالرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب، فتبسم رسول الله ÷ وقال: «تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك»⁣(⁣١) فلو كان لها الخيار وكان يتعلق بمضي سنة لعرفها النبي ÷ كما عرفها الحكم في رجوعها إلى رفاعة، فلما لم يذكر ذلك رسول الله ÷ علم أنها لا خيار لها في ذلك.

  ومما يدل على ذلك أنه لا خلاف في أن العجز عن الوطء لا يوجب لها الخيار والتفريق في أول ما يظهر؛ لأنهم لا يختلفون في أن الزوج يؤجل مدة على حسب الخلاف فيها، فوجب ألا يوجب لها الخيار والتفريق بعد انقضاء المدة، والمعنى أنه ظهور العنة.

  فإن قيل: العنة لا تظهر إلا بمضي الفصول الأربعة.

  قيل له: من أين لكم ذلك؟ وما الدليل عليه؟ وهذا مما لا سبيل إلى إثباته. على أنه يقال لهم: لا خلاف بيننا وبينكم أنهما - أعني الزوج والزوجة - لو تصادقا في أن الزوج عاجز عن الوطء منذ أربع سنين فضلاً عن أربعة فصول أنه لا يكون للمرأة الخيار في أول ما ترافع، فقد بان صحة ما ذكرناه من أن ظهور العنة لا يوجب الخيار والتفريق.

  وأيضاً لا خلاف أنه لو وطئها ثم عجز عن الوطء لم يجب الخيار، فكذلك إذا عجز قبل الوطء، والعلة أنه حصول العجز عن الوطء، فوجب أن لا يجعل لها الخيار.

  ومما يؤكد ما ذهبنا إليه ويوضحه: أن عقد النكاح لم يوجب لها المطالبة بالوطء؛ بدلالة أن الوطء مما يتكرر، فلو كان عقد النكاح موجباً لها المطالبة به لتكررت المطالبة، ألا ترى أن سائر ما يوجب عقد النكاح المطالبة بها يوجب المطالبة بتكريرها، كالنفقة والكسوة والسكنى والقسم في الليالي والأيام، ولا يجب الاقتصار في شيء من ذلك على مرة؟ فلو جرى الوطء مجرى سائر ما ذكرناه لم يجب الاقتصار فيه على


(١) أخرجه البخاري (٣/ ١٦٨) ومسلم (٢/ ١٠٥٥).