باب القول في نكاح المماليك
مسألة: [في بطلان خيار المعتقة إذا مكنت من نفسها وقد علمت أن لها الخيار]
  قال القاسم #: فإن مسها برضاها وقد علمت أن لها الخيار بطل الخيار، فإن لم تعلم أن لها الخيار ثم علمت فهي على خيارها.
  وهذا منصوص عليه في مسائل النيروسي.
  ووجه ما قلناه: أن تمكينها له من الوطء رضا منها باستدامة النكاح؛ لأن الوطء لا يجوز إلا في النكاح، فإذا مكنت من نفسها مع العلم بأن لها الخيار فقد أظهرت الرضا باستدامة النكاح، فوجب ألا يكون لها بعد ذلك الخيار، وهذا مما لا خلاف فيه، وإنما الخلاف في انقطاع خيارها، فذهب بعض الناس إلى أن ذلك على الفور، وقد ثبت أن ذلك ليس على الفور؛ لما أخبرنا به أبو بكر المقري، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا صالح بن عبدالرحمن، قال: حدثنا سعيد بن منصور، عن هشيم، قال: أخبرنا خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما خيرت بريرة رأيت زوجها يتبعها في سكك المدينة ودموعه تسيل على لحيته، فكلم له العباس النبي ÷ أن يطلبها له، فقال لها رسول الله ÷: «زوجك وأبو أولادك» فقالت: أتأمرني به يا رسول الله؟ فقال: «إنما أنا شافع» قالت: إن كنت شافعاً فلا حاجة لي فيه، فاختارت نفسها(١).
  فدل ذلك على المهلة في أمر الخيار؛ إذ لو لم يكن كذلك لم تصح مخاطبتها بعد تخييرها وبعد أن كان زوجها يتبعها في سكك المدينة، وإذا ثبتت المهلة فلا قول بعدها إلا القول بأن خيارها ثابت إلى أن تمكن من نفسها على ما نص عليه القاسم #.
  وروي أيضاً في بعض الأخبار عن عائشة أنها قالت: قال رسول الله ÷: «أنت أملك بنفسك ما لم يمسك»(٢).
(١) شرح معاني الآثار (٣/ ٨٢، ٨٣).
(٢) أخرجه الطبراني في الأوسط (٩/ ١٠).