باب القول في صفة الطلاق وتنوعه
  يؤكد ذلك: أن ما ذكرناه حكم الصريح والكناية على ما بيناه، فوجب أن يكون ذلك حكم البائن والبرية؛ إذ لا يخلو ذلك من أن يكون صريحاً أو كناية. على أنا وجدنا الصريح وقول الزوج: «اعتدي» متى دخلهما العوض كانا بائنين، ومتى لم يدخلهما العوض كانا رجعيين، فعلم أن الحكم في البينونة تعلق بدخول العوض، فصح ما ذهبنا إليه.
  على أنا وجدنا كل لفظ موجب للفرقة مع اتفاق الدينين إذا لم يمنع من تجديد النكاح بين الزوجين قبل نكاح زوج آخر لا يوجب البينونة متى لم يقع على عوض، كالطلاق، والفراق، والسراح، واستبرئي، واعتدي، فوجب أن يكون قوله: أنت بائن أو برية كذلك.
  فإن قيل: إذا ثبت أن الزوج يملك أن تبين بالبدل وجب أن يملكه بغير بدل كالعتق والهبة.
  قيل له: هذا لا يجب في جميع المواضع، ألا ترى أنه يملك عقد النكاح مع العوض، ولا يملكه على حد لا يجب معه البدل؟ وكذلك يملك البينونة بلفظ الطلاق مع البدل، ولا يملكه(١) بغير بدل؟ وكذلك البيع يصح إيقاعه مع البدل، ولا يصح بغير البدل، فلم يمتنع أن تكون البينونة كذلك وإن وقعت بلفظ البائن والخلية. على أنا لا نمتنع من القول بأن الزوج يملك البينونة من غير عوض على بعض الوجوه، وهو أن يطلقها ثلاثاً على الحد الذي نذهب إليه، فسقط سؤالهم هذا بواحدة.
  ويمكن أن يستدل في أول المسألة بقول الله تعالى: {اِ۬لطَّلَٰقُ مَرَّتَٰنِۖ}[البقرة: ٢٢٩] فجعل سبحانه الطلاق مرتين، وجعل بعده الإمساك أو التسريح، ولا يكون الإمساك إلا بعد الرجعة، فكأنه قال: بعد كل طلاق ثان رجعة، فوجب ذلك في
(١) كذا في المخطوطات.