كتاب الطلاق
  وروى محمد(١) بن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن يزيد بن ركانة(٢) طلق امرأته ثلاثاً البتة فحزن عليها حزناً عظيماً، فقال له رسول الله ÷: «كيف طلقتها؟» قال: طلقتها ثلاثاً في وقت واحد، فقال له: «تلك الثلاث واحدة، فراجعها»(٣).
  فهذه الأخبار نصوص فيما ذهبنا إليه.
  فإن قيل: قد علمنا أن عمر لم يكن يعترض بالخلاف على رسول الله ÷(٤)، فإذا ثبت ذلك ثبت أنه قد علم نسخه، فلذلك أمضاه.
  قيل له: لا يجوز نسخ ما ثبت عن النبي ÷ بقول عمر، سيما وقد احتمل أن يكون عمر لم يعرف النص فيه عن النبي ÷ ورأى أن المسألة للاجتهاد فيها مسرح فقضى بذلك، يؤكد ذلك أنه لا يروى عن عمر أنه ذكر ذلك عن رسول الله ÷، وإنما هو مروي عن ابن عباس، على أن في الخبر الأول ما يدل على أنه لم ينسخ؛ إذ فيه أن الثلاث كانت على عهد رسول الله ÷ وأبي بكر واحدة، وقد علمنا أنه لا نسخ بعد رسول الله ÷، فكيف يكون بعد أيام أبي بكر؟
  فإن قيل: يحتمل أن يكون المراد بذلك إذا قال الزوج للتي لم يدخل بها: أنت طالق وطالق وطالق.
  قيل له: هذا تخصيص للخبر من غير دليل، وذلك مما لا يصح.
  فإن قيل: فقد روي أن رجلاً طلق امرأته ألفاً، فمضى بنوه إلى رسول الله
(١) في (أ، ج): وروي عن محمد.
(٢) كذا في المخطوطات، وفي مسند أحمد وغيره: طلق ركانة بن عبد يزيد. وفي الاستذكار لابن عبدالبر (٦/ ٩): روى ابن إسحاق في ذلك عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: طلق ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثاً في مجلس واحد ... إلخ.
(٣) وأخرج نحوه أحمد في المسند (٤/ ٢١٥) والبيهقي في السنن الكبرى (٧/ ٥٥٥).
(٤) في (د): يعترض على رسول الله ÷ بالخلاف.