باب القول في صفة الطلاق وتنوعه
  وقلنا: إن من أوقع الثلاث في طهر واحد يكون موقعاً لها على خلاف ما أمر به - وبه قال أبو حنيفة، خلافاً للشافعي - لما روي أن النبي ÷ أتي برجل طلق امرأته ألفاً فقال لبنيه: «إن أباكم لم يتق ربه فلم يجعل له مخرجاً، بانت منه بثلاث على غير السنة».
  ويدل على ذلك: قول الله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ اُ۬لْعِدَّةَۖ}[الطلاق: ١] وإحصاء العدة لا يكون إلا للرجعة، فدل ذلك على أن التطليقة المندوب إليها هي التطليقة التي بعدها للرجعة مساغ.
  ويدل على ذلك قول الله تعالى: {لَعَلَّ اَ۬للَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْراٗۖ ١}[الطلاق] والمراد به الرجعة.
  فإن قيل: فجوزوا أن يطلقها تطليقتين معاً.
  قيل له: إذا ثبت أن المندوب(١) هو أن يطلق التطليقة الرجعية فلا قول بعده إلا قول من يقول: في ثلاثة أطهار، حتى يكون موقعاً للسنة. فأما ما روي أن فاطمة بنت قيس طلقها زوجها ثلاثاً بكلمة واحدة فلم يبلغنا أن رسول الله ÷ عاب ذلك فقد مضى من الكلام فيه ما يغني عن الإعادة.
  ولا خلاف أنه منهي عن إيقاع الطلاق في الطهر الذي وقع فيه الجماع، والعلة فيه أنه موقع على خلاف السنة والمستحب فوجب أن يكون منهياً عنه، فكذلك الطلاق الثلاث الموقعة في طهر واحد. ومخالفنا لا ينكر أنه مطلق على غير السنة والمستحب، إلا أنه يقول: إنه مباح. ويمكن أن يقاس بهذه العلة على الطلاق في الحيض.
  على أنه إجماع الصحابة، فقد روي عن علي # أنه قال: (لو أن الناس أخذوا بما أمر الله من الطلاق ما أتبع رجل نفسه امرأة)(٢) يعني أنه كان لا يطلقها طلاقاً لا رجعة فيه.
(١) في (د): المسنون.
(٢) أخرجه في أمالي أحمد بن عيسى (٣/ ٨٥).