شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في العدة

صفحة 362 - الجزء 3

  قيل له: وما في تقدم إحدى الآيتين وتأخر الأخرى ما يمنع من الجمع بينهما، ولا خلاف أن الجمع بين الآيتين والخبرين أولى من نسخ أحدهما، ونحن نجمع بين الآيتين فنقول: إن الآية الأولى ألزمت كل من توفي عنها زوجها اعتداد أربعة أشهر وعشر، والآية الثانية أوجبت إن كانت حبلى إتمام العدة إلى الوضع، فيكون استعمالنا على الجمع على ما⁣(⁣١) ذهب إليه علي # أولى من استعمال ابن مسعود ومن تابعه على النسخ⁣(⁣٢).

  فإن قيل: فإذا قلتم: إن التي تضع قبل مضي أربعة أشهر وعشر يلزمها أن تتم أربعة أشهر وعشراً فقد نسختم عنها قول الله تعالى: {وَأُوْلَٰتُ اُ۬لْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَّضَعْنَ حَمْلَهُنَّۖ}⁣[الطلاق: ٤].

  قيل له: ذلك زيادة في زمان العدة، والزيادة في زمانها لا يكون نسخاً عندنا، وعلى هذا نقول: إن حد القاذف لو جعل مائة جلدة لم يكن نسخاً، والصلوات الخمس لو زيد عليها سادسة لم يكن نسخاً.

  على أن قوله تعالى: {وَأُوْلَٰتُ اُ۬لْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَّضَعْنَ حَمْلَهُنَّۖ} عام، وقوله سبحانه: {وَالذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ} أخص منه بموضع الخلاف، ومن مذهبنا بناء العام على الخاص، ولا يمتنع أن يرد الخاص ثم يرد العام فيبنى على الخاص المتقدم، ولا يوجب ذلك نسخاً، ويكونان كأنهما وردا معاً، وإنما كان يوجب النسخ لو كان العام هو المتقدم وكان الخاص هو المتأخر؛ لأنه كان يوجب إزالة بعض أحكامه الثابتة، وذلك صورة النسخ.

  يوضح ذلك: أنا لو جعلنا المتقدم مخصصاً للمتأخر لم يكن ذلك نسخاً، وإذا⁣(⁣٣) جعلنا المتأخر مخصصاً للمتقدم كان ذلك نسخاً لا محالة؛ إذ قد ثبت أنه


(١) في (أ): على أن ما.

(٢) في (أ): ومن تابعه في استعمال النسخ.

(٣) في (ج): وإنما.