شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الطلاق

صفحة 369 - الجزء 3

  فإن قيل: فقد روت هي أن رسول الله ÷ قال للتي سألته عن ابنتها أنها اشتكت عينها فهل تكحلها فقال: «لا».

  قيل له: ذلك محمول على أنها لم تكن اضطرت إلى الكحل.

  ولأن الضرورة قد جعلت عذراً في سائر العبادات، فكذلك في هذه العبادة.

  وما ذهبنا إليه من أنها تعتد حيث شاءت من بيتها أو بيت زوجها: هو قول أمير المؤمنين #، حكى ذلك عنه القاسم بن إبراهيم @، وروى نحوه هناد عنه #، وروى بإسناده عن الحسن أن علياً # نقل ابنته أم كلثوم لما قتل عمر، وروي نحوه عن ابن عباس.

  وروي عن عبدالله أنها لا تخرج حتى توفي العدة، وبه قال أكثر الفقهاء.

  والدليل على صحة ما ذهبنا إليه قول الله تعالى: {وَالذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَٰجاٗ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٖ وَعَشْراٗۖ}⁣[البقرة: ٢٣٤] فأمرهن بالتربص، ولم يشترط مكاناً دون مكان، فوجب بظاهر الآية أن يكون لها الخيار في الأماكن، ويدل على ذلك قوله تعالى: {مَّتَٰعاً إِلَي اَ۬لْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٖۖ}⁣[البقرة: ٢٤٠].

  فإن قيل: قوله تعالى: {مَّتَٰعاً إِلَي اَ۬لْحَوْلِ} منسوخ.

  قيل له: النسخ يتناول منها زمان العدة دون صفتها، فلا يجب ما ذكرتم، ألا ترى أن صوم عاشوراء لما نسخ وجوبه لم يجب أن يكون سائر أحكامه منسوخة؟

  فإن قيل: فقد روي أن فُرَيْعَة بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري كان زوجها في طلب عبدٍ له فقتل بطرف القَدوم⁣(⁣١)، فأتت النبي ÷ فقالت: يا رسول الله، إني في دار وحشة، أفأنتقل إلى أهلي؟ فأذن لها، فلما خرجت إلى الحجرة أو


(١) هو بالخفيف والتشديد، موضع على ستة أميال من المدينة. (نهاية ٤/ ٢٧).