باب القول في اللعان
  فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّيٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّۖ}[الطلاق: ٦] وأجمع الفقهاء على ذلك، وأجمعوا أيضاً على أن من اشترى جارية فشهد النساء أنها حامل أن للمشتري أن يردها بالعيب، فإذا ثبت بما بيناه أن الحمل محكوم به قبل الولادة لم يمتنع أن يكون لنفيه قبل الولادة حكم.
  قيل له: لسنا نمتنع مما ذكرتم من أن الحمل يحكم به وتعلق الأحكام عليه قبل الولادة، إلا أن تلك هي الأحكام التي لا تسقطها الشبهة(١)، ومن حكم اللعان أن يسقط بالشبهة، وإذا سقط لم يكن كالحد(٢)؛ لأنه قائم مقام البينة في درء الحد، والحد يسقط للشبهة، وإذا سقط لم يكن للعان معنى؛ إذ قد ثبت أنه لدرء الحد، فوجب أن يفصل بينه وبين سائر الأحكام المتعلقة بالحمل.
  فإن قيل: فإن الحمل قد يتحقق ويتيقن، فلا معنى لقولكم: إن فيه شبهة.
  قيل له: لا حمل إلا ويجوز قبل الولادة ألا يكون حملاً، وأن يكون ريحاً أو داء أو غيره، سيما في الوقت الذي تحصل الولادة بعده لستة أشهر، وإذا كان هذا التجويز قائماً صح ما بنينا الكلام عليه من أنه لا يخلو من الشبهة.
  ووجه ما ذهبنا إليه من أنها إن ولدت لأقل من ستة أشهر من يوم النفي [لا عن أنه] حصل اليقين بأن النفي صادف الولد؛ لأن أقل الحمل ستة أشهر، فيجري مجرى أن ينفي الولد في أنه يجب اللعان له.
  فإن قيل: فإن النفي إذا لم يكن قذفاً يوم وقوعه لم يجز أن يصير قذفاً بعده.
  قيل له: لسنا نقول: إنه لم يكن قذفاً(٣) حين وقع، وإن كنا لم نعلم ذلك إلا بحصول الولادة لأقل من ستة أشهر من يوم النفي، وإذا كان ذلك كذلك سقط هذا السؤال.
(١) في (أ): لا تسقط بالشبهة.
(٢) ظنن في (أ) بـ: كالحمل.
(٣) لفظ تعليق ابن أبي الفوارس مع تصرف يسير: لأنا نقول: إنه قذف حين الوقوع إلا أنه إنما تحقق بالوضع لدون ستة أشهر من يوم النفي، وإذا كان كذلك لم يصح أن يقال: إنه لم يكن قذفاً.