باب القول في اللعان
  يكذب الزوج نفسه، فيكون ما ذهب إليه أقرب؛ لأن تعسفه أقل، واحتماله أظهر. والصحيح أنهما روايتان مختلفتان؛ لأن ذلك هو الظاهر من الكلامين، فما ذكرناه أولاً هو رواية الأحكام، وبه قال أبو يوسف والشافعي.
  وما ذكرناه ثانياً هو رواية المنتخب، وبه قال أبو حنيفة ومحمد.
  ووجه رواية الأحكام: أن النبي ÷ قال لما فرق بينهما: «لا يجتمعان أبداً إلى يوم القيامة».
  وفيما رواه أبو داود في السنن بإسناده عن سهل بن سعد قال: حضرت النبي ÷ حين لاعن بينهما، فمضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ولا يجتمعان أبداً(١).
  وفيما رواه أبو داود في السنن بإسناده عن ابن عمر قال: قال رسول الله ÷ للمتلاعنين: «حسابكما على الله، أحدكما كاذب، لا سبيل لك عليها»(٢) فمنع النبي ÷ أن يكون له عليها سبيل على وجه من الوجوه، وذلك التحريم.
  ويدل على ذلك ما رواه زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي $ أنه قال: (إذا فعلا ذلك - يعني تلاعنا - فرق بينهما الحاكم فلم يجتمعا أبداً)(٣).
  وأيضاً لا خلاف أن الزوج لو لم يكذب نفسه أبداً لم يرتفع(٤) ذلك التحريم، وكذلك إذا أكذب نفسه، والعلة أنه تحريم وجب باللعان. ويمكن أن يقاس ذلك على التحريم الواقع بالرضاع، بعلة أنه يحصل مع انتفاء الرق(٥) ولا يرتفع بإصابة الزوج ولا تغير دين، فوجب أن يكون مؤبداً. والأصول تشهد لذلك؛ لأنا لم نجد الإكذاب أوجب رفع شيء من التحريم الواقع بين الزوجين، ألا ترى
(١) سنن أبي داود (٢/ ١٤٠).
(٢) سنن أبي داود (٢/ ١٤٤).
(٣) مجموع الإمام زيد بن علي # (٢٢٦).
(٤) في (د): يرفع.
(٥) في (ج، د) ونسخة في (أ): الدين. وفي (د): «الرق» نسخة.