شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في نفقة الرضيع

صفحة 469 - الجزء 3

  بِوَلَدِهِۦۖ}⁣[البقرة: ٢٣٣] فنهى سبحانه الأب عن الإضرار بولده، فاقتضى ظاهره منعه من إنفاق مال الولد على الولد⁣(⁣١)؛ لأن ذلك يكون إضراراً من حيث ينتقص المال⁣(⁣٢)، وإذا ثبت ذلك ثبت أنه يلزمه الإنفاق عليه من مال نفسه، وذلك عام في الأولاد أجمع على جميع الأحوال إلا حيث منع الدليل.

  فإن قيل: فإنه يلزمكم أن تقولوا: إن ذلك يلزم الوالدة والوارث، فقد قال الله تعالى: {لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةُۢ بِوَلَدِهَا} ثم قال: {وَعَلَي اَ۬لْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَۖ}.

  قيل له: هو مخصوص بدلالة الإجماع والاتفاق⁣(⁣٣)، فلا معترض علينا به.

  ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى: {۞وَالْوَٰلِدَٰتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَٰدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِۖ} ثم قال تعالى: {وَعَلَي اَ۬لْمَوْلُودِ لَهُۥ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِۖ}⁣[البقرة: ٢٣٣] وهذا عام في الوالدات المطلقات والزوجات، وفي الأولاد الذين لهم أموال والذين لا أموال لهم، فإذا ثبت ذلك لم يلزم والد الصبي لأمه المطلقة بعد انقضاء عدتها إلا على وجه الإنفاق على الولد، وإذا ثبت ذلك ثبت وجوبه على الوالد سواء كان الولد له مال أو لا مال له بعموم الآية، فثبت صحة ما قلناه.

  ويدل على ذلك ما روي عن أبي هريرة أن رجلاً جاء إلى رسول الله ÷ فقال: معي دينار، فقال: «أنفقه على نفسك» ثم قال: معي آخر، فقال: «أنفقه على أهلك» ثم قال: معي آخر، قال: «أنفقه على ولدك» ثم قال: معي آخر، قال: «أنفقه على عبدك»، ثم قال في الخامسة: «أنت أعلم»⁣(⁣٤). فدل ذلك على وجوب الإنفاق على الولد فقيراً كان أو غنياً؛ لأنه ÷ لم يستثن غني الأولاد من فقيرهم.


(١) في (أ، ج): الوالد. وهو غلط.

(٢) في (أ): بالمال.

(٣) «والاتفاق» ساقط من (ج).

(٤) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٧/ ٧٦٨) بتقديم الولد على الأهل، وابن حبان في صحيحه (١٠/ ٤٦) كما هنا.