باب القول في الحضانة
  جميعه منصوص عليه في الأحكام والمنتخب(١). قال الشافعي: إذا بلغ الصبي هذا المبلغ خير بين أمه وأبيه. وعندنا أن الأب أولى من غير تخيير، وبه قال أبو حنيفة في الولد الذكر.
  ووجه ذلك: أن حق الأم من الحضانة قد انقطع لما بيناه، ولأن الشافعي أيضاً لا يجعل الحضانة لها إلا مع خيار الولد، فلو كان حقها باقياً لم يخير الولد كما لم يخير قبل ذلك، وإذا ثبت انقطاع حقها كان الأب أولى؛ لأن ولايته عليه باقية حتى يبلغ، فيستحق الولد بما(٢) له من مزية الولاية، ألا ترى أن حقها لما انقطع بالتزويج صار الوالد أولى منها وإن كان الولد طفلاً؟ فكذلك إذا استغنى بنفسه، والعلة أن استحقاقها الحضانة على الإطلاق زائل.
  فإن قيل: فقد روي عن أبي هريرة أنه قال: جاءت امرأة إلى النبي ÷ فقالت: يا رسول الله، إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد سقاني من بئر أبي عنبة، وقد نفعني، فقال رسول الله: «استهما عليه» فقال زوجها: من يحاقُّني في ولدي؟! فقال النبي ÷: «هذا أبوك، وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت» فأخذ بيد أمه فانطلقت به(٣). فقد خيره رسول الله ÷ بين أمه وأبيه، وهذا خلاف مذهبكم.
  قيل له: يجوز أن يكون خيره لأنه كان قد بلغ وملك أمره، ويدل على ذلك قول أمه: إنه سقاني من بئر كذا، والأغلب فيمن يرد الآبار ويستقي أن يكون بالغاً.
  فإن قيل: لو كان قد بلغ لم يكن للتخيير معنى.
  قيل له: ليس الأمر كذلك، فإن أكثر التخيير يكون مع البلوغ وحين يملك
(١) الأحكام (١/ ٣٦٦، ٣٧١) والمنتخب (٣٢٣، ٥٧٧).
(٢) في (أ، د): لما.
(٣) أخرجه أبو داود (٢/ ١٥٠) والنسائي (٦/ ١٨٥).