شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب النفقات

صفحة 484 - الجزء 3

  منها: أن ظاهره يقضي بفساده، وذلك أنه لو كان مما يقرأ من القرآن لم يجز أن يكون طريقه خبر الواحد، ولا يجوز أيضاً أن يضيع حتى لا يثبت إلا من طريق امرأة، قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا اَ۬لذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَۖ ٩}⁣[الحجر: ٩].

  ومنها: أنها أخبرت أن العشر نسخت بخمس، وهذا لا نمتنع منه، إلا أنا نقول: إن الخمس لو ثبتت لكانت منسوخة لقول ابن عباس في: الرضعة والرضعتين لا تحرم: إنها⁣(⁣١) منسوخة، فلئن وجب أن يقبل قول عائشة: إن العشر نسخت بخمس لوجب أن يقبل قول ابن عباس في النسخ ما روي⁣(⁣٢) من الرضعة والرضعتين لا تحرم.

  ويؤيد ذلك: ما روى أبو العباس الحسني في النصوص بإسناده عن الليث عن مجاهد عن علي # قال: (يحرم قليل الرضاع ما يحرم كثيره).

  ويؤكد ذلك ما روي أن عقبة بن الحارث قال: يا رسول الله، إني تزوجت امرأة ودخلت بها، فأتت امرأة سوداء فزعمت أنها أرضعتني وامرأتي، وإني أخاف أن تكون كاذبة، فقال النبي ÷: «فكيف به وقد قيل؟»⁣(⁣٣) ففارقها الرجل. فدل ذلك على أن الحكم يتعلق بما سمي رضاعاً؛ لأنه ÷ لم يقل: سلها عن عدد الرضعات.

  ويؤكد ذلك ما روي من قول النبي ÷: «إنما الرضاعة من المجاعة»⁣(⁣٤) وقوله ÷: «إنما الرضاع ما أنبت اللحم وأنشر العظم» والقليل منه يأخذ بقسطه من سد الجوعة وإنبات اللحم وإنشار العظم.

  ومما يدل على ذلك: أن الرضاع سبب يوجب التحريم المؤبد بنفسه، فوجب


(١) في المخطوطات: وإنها.

(٢) كذا في المخطوطات.

(٣) أخرجه البخاري (٣/ ٥٤) والترمذي (٢/ ٤٤٩).

(٤) أخرجه البخاري (٣/ ١٧٠) ومسلم (٢/ ١٠٧٩).