باب القول في الرضاع
  يقال: إنه تمام في التغذية؛ لأنه(١) لا فصل في ذلك بين مدة الحولين وبين الأقل منها والأكثر. وكذلك لا يصح أن يقال: إنه تمام من طريق العادة؛ لأن عادات الناس في الإرضاع تختلف، فمن الناس(٢) من يرضع أقل من حولين، ومنهم من يرضع أكثر من ذلك، فلم يبق إلا ما ذكرناه. على أن الأولى في خطاب الله تعالى وخطاب رسوله أن يحمل على ما يفيده الشرع دون ما لا تعلق للشرع به، فكان حمله على ما ذكرنا أولى. فإذا ثبت بما بيناه أن الرضاع الذي يتعلق به الحكم الشرعي [يتم بانقضاء الحولين ثبت أن ما بعده ليس برضاع يتعلق به الحكم الشرعي](٣)؛ لأن(٤) تمام الشيء يكون بوقوع آخر جزء من أجزائه، فإذا وقع آخر جزء من أجزائه فلا حكم لما بعده.
  وفي الآية وجه آخر من الدلالة، وهو أنه تعالى لما قال: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُّتِمَّ اَ۬لرَّضَٰعَةَۖ}[البقرة: ٢٣٣] دل ذلك على أن الرضاع قد تم من جميع الوجوه إلا ما خصه الدليل، فوجب أن يكون قد تم من حيث يتعلق به(٥).
  فإن قيل: ما أنكرتم على من قال لكم: إن اسم التمام قد يطلق على الشيء وإن لم يكن تم إذا قارب التمام، كما روي عنه ÷ أنه قال: «من أدرك عرفه فقد تم حجه» وكما روي: «من رفع رأسه من السجدة الأخيرة فقد تمت صلاته» كل ذلك المراد به مقاربة التمام؟
  قيل له: هذا لا يصح في الموضع الذي اختلفنا فيه لوجهين:
  أحدهما: أن ذلك وإن استعمل على سبيل التوسع والمجاز فإنما يستعمل إذا
(١) في (د): ولأنه.
(٢) في (ج): النساء.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٤) في (أ): أن.
(٥) «به» سقاط من (د).