باب القول فيما يصح أو يفسد من البيوع
  أحدهما: أنه قال: {عَبْداٗ مَّمْلُوكاٗ لَّا يَقْدِرُ عَلَيٰ شَےْءٖ}، فمنع أن يقدر على شيء، فهو على عمومه إلا حيث يخصه الدليل، فوجب ألا يقدر على شيء من التصرف، وفيه أنه لا يملك.
  فإن قيل: القدرة لا تبنى(١) على جواز التصرف في حقيقة، فإن جاز أن يستعمل ذلك اتساعاً فالاتساع لا يعرف منه المراد إلا بالدلالة.
  قيل له: ليس حال اللغة فيما ذكرت على ما قدرت؛ لأن أهل اللغة لا يرجعون في معنى القادر والقدرة إلى ما يرجع إليه المتكلمون، وإنما يرجعون فيه إلى التأتي، فلا يمتنعون(٢) من القول: «إن فلاناً لا يقدر على كذا» إذا كان لا يتأتى منه، سواء كان ذلك وهو مستطيع له وتعذره لفقد الآلة أو لفقد الدواعي أو لمنعٍ سوى ذلك على وجه من الوجوه أو كان غير مستطيع له.
  فإذا ثبت ذلك صح الاستدلال بما ذكرناه، وصح تعذر التصرف منهم من جميع الوجوه، إلا ما خصه الدليل.
  والوجه الثاني من الاستدلال بالآية: أنه فصل بالواو بين العبد وبين من رزقه رزقاً حسناً فهو ينفق منه، فاقتضى الظاهر أن العبد لا يرزق رزقاً حسناً ينفق منه، لولا ذلك لم يصح الفصل بينه وبين العبد بالواو؛ ألا ترى أن قائلاً لو قال: «رأيت رجلاً مختلاً وآخر عاقلاً» كان الظاهر أن الذي ذكره أولاً لا يوصف بأنه عاقل، وأن الاختلال المذكور من حاله عبارة عن اختلال العقل، وإن كان الاختلال يصح صرفه(٣) إلى غير العقل؟
  ومما يدل على ذلك قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاٗ مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن شُرَكَآءَ}[الروم: ٢٧]، فنبه أنه ليس فيهم من يشاركنا
(١) في (د): لا تنبي، وفي (هـ): لا تنبني.
(٢) في (ب): يمنعون.
(٣) في (أ، ج، د): تصرفه.