كتاب البيوع
  التمر كما قالوا: الغدايا والعشايا، وإن كانت الغداة لا تجمع على الانفراد غدايا، فكذلك الماء لا يقال فيه على الانفراد: إنه طعام. وكان شيخانا أبو الحسين بن إسماعيل يستدل على ذلك بقول الله ø في قصة شعيب #: {أَوْفُواْ اُ۬لْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِۖ وَلَا تَبْخَسُواْ اُ۬لنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ}[هود: ٨٤]، فكان يقول: لا يخلو النهي من أن يكون متناولاً للتطفيف على وجه(١) الخيانة(٢)، كما حكى الله ø عن قومه من قولهم: {يَٰشُعَيْبُ أَصَلَوَٰتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِے أَمْوَٰلِنَا مَا نَشَٰٓؤُاْۖ}[هود: ٨٧]، فبين(٣) أنهم كانوا نهوا عما كانوا يفعلون في الكيل والوزن على وجه التراضي، إلا(٤) ما كان ربا، فبان أن الربا تعلق بالكيل والوزن.
  ومما يدل على أن علتنا أولى من علة سائر المخالفين: أن ما جعلناه علة له تأثير في التحريم، بدلالة أن زيادة الكيل في المنصوص عليه مع الجنس، وكذلك الوزن فيه مع الجنس تمنع من جواز البيع، وعدم الزيادة فيهما يوجب صحة البيع، وما كان له تأثير في صحة البيع وفساده أولى أن يكون علة للتحريم مما ليس له ذلك التأثير؛ ولأن النبي ÷ قال: «من أسلم فليسلم في كيل معلوم أو وزن(٥) معلوم»(٦). فجعل للكيل والوزن تأثيراً في صحة البيع، فبان بذلك أن علتنا أولى؛ لأنا لم نجد هذا التأثير في علل المخالفين.
  يبين ذلك أن المأكولين يتفاوتان في كونهما مأكولين، بأن يكون أحدهما خيراً من صاحبه في باب الأكل، وكذلك المقتاتين، ولم يؤثر ذلك في التحليل
(١) في (ب): متناولاً للبخس على طريق الخيانة. وفيها: «للتطفيف على وجه الخيانة» نسخة.
(٢) ظنن في (ب) بـ: الكناية.
(٣) لعل هنا ساقطاً. (من هامش ب، د).
(٤) في (د): لا.
(٥) في كتب الحديث: ووزن.
(٦) أخرجه في أمالي أحمد بن عيسى (٣/ ١٦٠) والبخاري (٣/ ٨٥) ومسلم (٣/ ١٢٢٦).