كتاب البيوع
  وكذلك قوله ÷: «وكذلك الميزان» ليس المراد به عين الموازين، وإنما المراد به ما يوزن، فأوجب ذلك المنع من بيع ما يكال بما يكال إلا مثلاً بمثل، وما يوزن بما يوزن إلا مثلاً بمثل يداً بيد، فبان به صحة تعليلنا.
  فإن قيل: فقد روي عن النبي ÷ أنه نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلاً بمثل، فهلا دلكم ذلك على أن العلة هي الأكل على ما قلتم في الكيل والوزن؟
  قيل له: لفظ الطعام يتناول شيئاً مخصوصاً من المأكولات من جهة العرف، ولا يتناول السقمونيا والصبر وشحم الحنظل وما جرى مجراه؛ ألا ترى أن سوق الطعام لا يستعمل في صنف(١) الصيدلانيين، وكذلك سوق الفواكه، فبان أنه يتناول هذه الأجناس المنصوصة التي يقع الاقتيات بها.
  وفي الحديث: سمعت النبي ÷ يقول: «الطعام بالطعام مثلاً بمثل»، وكان طعامنا يومئذ الشعير(٢).
  وروي عن أبي سعيد الخدري: كان طعامنا التمر والزبيب والشعير(٣).
  فإذا ثبت ما قلناه لم يجب أن يستمر اللفظ في كل مأكول من الأشربة والفواكه والأدوية ونحوها، ووجب اختصاصه بما بيناه، وذلك مما لا يأبى(٤) وجوب الربا فيه.
  فإن قيل: روي عن عائشة أنها قالت: «عشنا دهراً وما لنا طعام إلا الأسودان: التمر والماء»(٥)، فأجرت اسم الطعام على الماء.
  قيل له: ذلك محمول على سبيل التجوز، وقوله ÷ محمول على الحقيقة، والحقيقة من طريق عرف اللغة هو ما ذكرناه. على أنها إنما سمته طعاماً لمقارنته
(١) في (أ، ج، هـ): صف.
(٢) أخرجه مسلم (٣/ ١٢١٤) والبيهقي في السنن الكبرى (٥/ ٤٦٤).
(٣) أخرجه البخاري (٢/ ١٣١).
(٤) في (هـ): يتأتى.
(٥) أخرج نحوه ابن ماجه (٢/ ١٣٨٨).