شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في بيع الأجناس بعضها ببعض

صفحة 102 - الجزء 4

  والأصل فيه: ما روي عن زيد أبي عياش⁣(⁣١)، عن سعد بن أبي وقاص، قال: شهدت رسول الله ÷ سئل عن الرطب بالتمر فقال: «أينقص الرطب إذا جف»؟ قالوا: نعم، قال: «لا إذاً» وكرهه⁣(⁣٢).

  وهذا نص في المنع من بيع الرطب بالتمر، وفيه تنبيه على العلة التي من أجلها منع البيع، وهذا يبطل اعتراض من يعترض الحديث بأن يقول: لا معنى لاستفهام النبي ÷ عما⁣(⁣٣) هو معلوم ضرورة؛ لأن ذا⁣(⁣٤) ليس باستفهام وإن كان ظاهره استفهاماً، بل هو تقرير على أمر ينبه به على علة المنع.

  وهذا مثل قول الله ø لموسى ~: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَٰمُوسَيٰۖ ١٦}⁣[طه]، أراد تقريره على أنها عصا ليعرفه ما يفعل الله فيها مما لم يكن علمه.

  وقد طعن أبو بكر الجصاص على هذا الحديث بأن زيداً أبا عياش مجهول، وليس كذلك، فإن هذا الحديث قد رواه العلماء واستعملوه وأخذوا بموجبه ولم يطعنوا فيه، فصح أنه لم يكن عندهم مجهولاً، على أن أمره أشهر وأظهر من أمر غورك السعدي وحديثه، فلا وجه لهذا الطعن.

  على أنه قد روي عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي ÷ نهى عن بيع التمر بالرطب أو بالتمر كيلاً - قد شككت في اللفظ - وعن بيع العنب بالزبيب كيلاً⁣(⁣٥)، فدل ذلك على ما قلناه؛ لأن اللفظ وإن كان عن بيع التمر بالتمر


(١) في (أ، ج): زيد بن عياش. وفي (د، هـ): زيد بن أبي عياش.

(*) هو أبو عياش زيد بن عياش.

(٢) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (٤/ ٦) ونحوه أبو داود (٢/ ٤٥٧).

(٣) «عن» ساقط من (أ، ب، ج، د).

(٤) في (ب): ذلك.

(٥) أخرجه مسلم (٣/ ١١٧١) بلفظ: أن النبي ÷ نهى عن المزابنة: بيع ثمر النخل بالتمر كيلاً، وبيع العنب بالزبيب كيلاً. وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٤/ ٣٢٨) بلفظ: نهى عن بيع التمر بالتمر كيلاً ... إلخ.

(*) قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: وذكر الكيل ليس بقيد في هذه الصورة، بل لأنه صورة المبايعة التي وقعت إذ ذاك، فلا مفهوم له؛ لخروجه على سبب، أو له مفهوم لكنه مفهوم الموافقة؛ لأن المسكوت عنه أولى بالمنع من المنطوق.