كتاب البيوع
  فالمعنى: أنه كان أحدهما رطباً؛ إذ لو لم يكن كذلك فلا خلاف في جوازه، يدل عليه قوله: عن بيع العنب بالزبيب كيلاً.
  فإن قيل: فقد روي عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: نهانا رسول الله ÷ عن بيع الرطب بالتمر نسيئة(١)، فدل ذلك على أن علة المنع هو النسأ.
  قيل له: هذا لا يمنع ما ذكرناه، ولا يمتنع أن يكون النبي ÷ نهى عن بيع الرطب بالتمر يداً بيد ونسأ جميعاً، فيكون منع من بيعهما يداً بيد للعلة الأولى، ومنع من النسأ للجنسين(٢).
  وروى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي $ أنه كره بيع التمر الحديث بالعتيق(٣).
  فإن قيل: كأن(٤) في الحديث فضل رطوبة، وكذلك(٥) أنواع التمر.
  قيل له: ذلك قدر يسير من التفاوت لا معتبر به؛ لأن مثله يكون في المكيل والموزون، ولهذا قالت العلماء: إن الوزن أخص من الكيل، ولهذا أجازوا الذهب بالذهب وإن وزنا بالميزان، وإن جوزنا أن يقع فيه تفاوت لو وزن بالطبار(٦) لم يضر ذلك القدر، فبان أن مثل ذلك معفو عنه.
  وليس كذلك حال الرطب إذا جف؛ لأنه يتناقص تناقصاً بيناً، ويقع بين حالتيه في النقصان تفاوت عظيم، وكذلك العنب والزبيب، فلم يجب أن يكون حكمهما حال التمر الحديث والعتيق وأنواع التمور.
(١) أخرجه أبو داود (٢/ ٤٥٧) والبيهقي في السنن الكبرى (٥/ ٤٨٠).
(٢) في (هـ): للجنس.
(٣) في المجموع (١٨٩): أنه كره بيع الرطب بالتمر، وقال: إنه ينقص إذا جف.
(٤) «كأن» ساقط من (هـ).
(٥) في (أ، ب، ج): فكذلك.
(٦) في حاشية الجمل على شرح المنهج: وميزان الطبار، وهو الذي لا لسان له.