باب القول في المياه
  حميدة بنت عبيد بن رفاعة، عن كبشة بنت كعب: أنها صبت لأبي قتادة ماء يتوضأ به، فجاءت هرة تشرب فأصغى لها الإناء، فجعلت أنظر، فقال: يا ابنت أخي، أتعجبين؟ قال رسول الله ÷: «إنها ليست بنجسة؛ هي من الطوافين عليكم والطوافات».
  وأخبرنا أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا أبو جعفر الطحاوي، قال: حدثنا علي بن معبد، قال: حدثنا خالد بن عمرو الخراساني، قال: حدثنا صالح بن حسان، قال: حدثنا عروة بن الزبير، عن عائشة: «أن رسول الله ÷ كان يصغي الإناء للهر ويتوضأ بفضله»(١).
  وروى داود بن الحصين عن جابر: أن النبي ÷ سئل: أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ فقال: «نعم وبما أفضلت السباع»(٢).
  وقد قيل: إن هذا الخبر مرسل؛ لأن داود لم يلق جابراً، وهذا لا معنى له، لأنا نرى قبول المراسيل والعملَ بها، والمخالف لنا في هذا أبو حنيفة وأصحابه، وهم يرون قبول المراسيل، على أنه قد رواه إبراهيم بن أبي يحيى، عن داود بن الحصين، عن أبيه، عن جابر(٣)، فقد ثبت بهذه الأخبار طهارة سؤر الهر والحمار وسائر السباع.
  وقد قيل في الخبر الوارد في سؤر الحمار: إن ذلك كان قبل تحريم لحمه، وذلك فاسد من وجوه:
  أحدها: أنه يوجب نسخ الخبر من غير أمر يوجبه ويقتضيه، وذلك لا معنى له.
  والثاني: أن اعتبار سؤر الشيء بلحمه في هذا الباب لا معنى له؛ إذ لم يثبت ذلك، بل ثبت خلافه، ألا ترى أن الهر غير مأكول وقد ثبت طهارة سؤره،
(١) شرح معاني الآثار (١/ ١٩).
(٢) أخرجه الشافعي في مسنده (٧٩).
(٣) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (١/ ٣٧٧، ٣٧٨).