شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في السلم

صفحة 225 - الجزء 4

  السلم فيها جائز، وعندنا: يجوز السلم في الجميع؛ لأن ضبط الجميع بالصفة والوزن مما يمكن ويقل معه التفاوت، وما جرى هذا المجرى يجب أن يصح السلم فيه؛ لأن يسير التفاوت لا معتبر به في السلم. فأما ما لم يبق من حين عقد السلم إلى وقت حلوله في شيء من الأوقات فلا يجوز السلم فيه عند أبي حنيفة وإن وجد في بعض تلك الأوقات، وعندنا وعند الشافعي ومالك: الاعتبار بوجوده وقت حلوله؛ لأنه هو الوقت الذي يجب فيه تسليمه، فإذا كان مما يوجد في وقت وجوب التسليم فلا معتبر بسائر الأوقات؛ دليله الأوقات التي هي قبل عقد السلم⁣(⁣١) وبعد حلولها؛ لأنه لما لم يجب فيه التسليم لم يكن بوجوده أو عدمه فيه معتبر.

  فإن قيل: لما قال النبي ÷: «من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم»، وكان معلوماً من مراده ÷ أنه الكيل المعلوم عند الناس كان ذلك مانعاً من السلم في ملء إناء مجهول القدر؛ لجواز هلاكه قبل استيفاء السلم، فوجب أن يكون ما يجوز انقطاعه قبل حلوله بمنزلة كونه منقطعاً، كما كان جواز هلاك⁣(⁣٢) الإناء بمنزلة كونه معدوماً.

  قيل له: ليس العلة في المنع من السلم في ملء إناء مجهول ما ذكرت، بل هو جواز تعذر التسليم في الأغلب؛ لأن الإناء قد ينكسر كثيراً، وإذا انكسر بطل التسليم، وليس كذلك السلم فيما هو في الحال منقطع أو يجوز انقطاعه إذا علم أنه يوجد في وقت حلوله؛ لأنه لا يخشى فيه تعذر التسليم.

  فإن قيل: روي أن النبي ÷ أسلف رجلاً دنانير في تمر مسمى فقال: من حائط فلان؟ فقال ÷: «أما من حائط فلان فلا، ولكن تمر مسمى، وكيل مسمى، وأجل مسمى»⁣(⁣٣).


(١) في (أ، ج): التسليم.

(٢) في (ب): إهلاك.

(٣) رواه الجصاص في شرح مختصر الطحاوي (٣/ ١٢٦).