باب القول فيما يجوز من الهبة وما لا يجوز
  الفسخ والارتجاع، ألا ترى أنه لو وهب وأقبض ثم رجع فاسترد ما وهب صح أن يقال: إنه لم يمض هبته وإن كان الإقباض قد حصل، وهكذا إن باع واشترط الخيار ثم أبطل الخيار صح أن يقال: أمضى بيعه وإن لم يكن حصل القبض؟ فبطل تعلقهم بالخبر.
  فإن قيل: روي عن أبي بكر أنه قال لعائشة: إني كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقاً، وإنك لم تكوني حزتيه وقبضتيه، وإنما هو مال الوارث(١).
  قيل له: يجوز أن يكون أراد لم تكوني ملكتيه بالقبول ولا قبضتيه، فعبر عن التملك(٢) بالقبول(٣) بالحوز؛ لأنه لا يمتنع أن يقال لمن ملك الشيء: إنه حازه وإن لم يكن قبضه، يدل على ذلك أن الحوز لو كان المراد به القبض لم يكن لتكرير لفظ القبض معنى. على أن يحيى # ذكر عن علي # إجازته هبتةً غير مقبوضة(٤).
  فإن قيل: روى زيد بن علي عن علي $: (لا تجوز هبة ولا صدقة حتى تكون معلومة مقبوضة).
  قيل له: قد أجمعوا على أن القبض ليس بصفة للهبة حتى تبطل ببطلان القبض كالرهن، فلا بد من تأويل، فنقول: معناه أن تكون معلومة حتى تكون في حكم المقبوض، كما قال الله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعاٗ قَبْضَتُهُۥ يَوْمَ اَ۬لْقِيَٰمَةِ}[الزمر: ٦٤]، أي: أحاط بها علماً وحكماً، حتى يكون موافقاً لما ذكره عنه يحيى #.
  ويدل على ذلك أنه عقد تمليك، فيجب أن يصح من غير قبض؛ دليله البيع والإجارة والنكاح والخلع والوصية.
(١) أخرج نحوه البيهقي في السنن الكبرى (٦/ ٢٩٦) والطحاوي في شرح معاني الآثار (٤/ ٨٨).
(٢) في (أ، ج): التمليك.
(٣) «بالقبول» ساقط من (هـ).
(٤) الأحكام (٢/ ١٤٢) وروى عبدالرزاق في المصنف (٩/ ١٢٢) بإسناده أن علياً # وابن مسعود كانا يجيزان الصدقة وإن لم تقبض.