شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في رجوع الواهب في هبته

صفحة 476 - الجزء 4

  «فاردده»، ودل بقوله ÷: «أشهد غيري» على أن أمره بالرجوع على سبيل الندب، وأن الهبة قد كانت ثابتة، وأن الرجوع فيها يصح، وذلك أنهم قد أجمعوا على أن الرجوع في الصدقة لا يجوز، ولا أحفظ في ذلك خلافاً، والصدقة منها تطوع ومنها واجب، والتطوع هو ما يتقرب به إلى الله - ø - ويوصل به الرحم من غير وجوب ذلك، وهذا القبيل من الصدقة يحل للغني ولبني هاشم، والهبة للأولاد من هذه الجملة، فلما ثبت تحريم الرجوع في الصدقة وإن كانت متطوعاً بها قلنا به عموماً، وخصصنا الصغير برجوع الوالد عليه لحديث النعمان، وعلى هذا يحمل ما روي: «لا يحل للواهب أن يرجع فيما وهب، إلا الوالد فيما وهب لابنه»⁣(⁣١).

  ويحتمل أن يكون الوجه في ذلك ما عرف من شفقة الآباء خصوصاً على أصاغر الأبناء، وأنهم لا يتصرفون عليهم بما يضرهم في مجرى العادات إلا فيما لا بد منه، فخصوا بذلك لهذه الأحوال ولما لهم من الولاية الثابتة عليهم التي هي أقوى الولايات. وما بينا من الهبة لذوي الأرحام في معنى الصدقة دليل على أنه لا يجوز الرجوع فيما وهب لهم.

  ويدل على أن كل عطاء يتقرب به إلى الله تعالى يكون صدقة: ما حكى الله تعالى عن أولاد يعقوب: {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَاۖ}⁣[يوسف: ٨٨]، ولم يكونوا فقراء، وإنما أعطى على سبيل التقرب إلى الله ø. وروي أن رجلاً أتى النبي ÷ فقال: يا رسول الله، أعطيت أمي حديقة وماتت ولا وارث لها غيري، فقال: «وجبت صدقتك، ورجعت إليك حديقتك»⁣(⁣٢).


(١) أخرج نحوه أبو داود (٢/ ٤٩٨) والترمذي (٤/ ١٠).

(٢) أخرجه ابن ماجه (٢/ ٨٠٠) وأحمد في المسند (١١/ ٣٤٣).