شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في رجوع الواهب في هبته

صفحة 479 - الجزء 4

  لم يطلب عند ذلك الأمر؛ للعلة التي ذكرناها، وهي أنه يريد نقل ملك الغير إلى نفسه بحق هو له، وليس هنا أمر يضيق عليه الطلب إلا العلم بالاستهلاك، فوجب⁣(⁣١) أن يكون هو قياساً على الشفيع.

  فإن قيل: الشفيع لا يمكنه الطلب قبل العلم بالبيع، والواهب أمكنه الرجوع قبل العلم بالاستهلاك.

  قيل له: هب أن هذا الفرق صحيح فما فيه ما يمنع قياسنا. على أن الشفيع أمكنه الطلب أيضاً بخبر لا يغلب في ظنه أنه صدق أو بأمارة تظهر من دون خبر يقع عليه، ومع هذا لا يضيق عليه الطلب حتى يحصل العلم بالبيع أو ما يجري مجراه من الظن، فكذلك ما ذهبنا إليه. وعند أبي حنيفة حتى يخبر الشفيع عدل أو عدلان.

فصل: [في عدم صحة الرجوع في الهبة لمن يلي ذا الرحم المحرم بدرجة]

  أجمعوا على أن ذوي الأرحام المحارم لهم تخصيص بوجوب الصلة⁣(⁣٢)؛ لأن لهم ضرباً من التخصيص من دون غيرهم، وهو التحريم.

  وقال يحيى في المرأة تهب لزوجها ما أخذته صداقاً منه فليس لها الرجوع فيه إن كانت فعلت ذلك صلة للرحم إن كانت بينهما⁣(⁣٣).

  فدل ذلك من مذهبه على أنه لا يقتصر بذلك على ذي الأرحام المحارم، فوجب أن يكون مذهبه مجاوزة ذلك إلى الذين يلونهم بدرجة، وهم أولاد الأعمام وأولاد العمات وأولاد الأخوال وأولاد الخالات؛ لأن لهم ضرباً من التخصيص، وليس ذلك لمن وراءهم، ألا ترى أنا لو اعتبرنا ما ذكرناه في جميع الأقارب من غير تخصيص [كان لا ينتهي إلى حد، فإن الناس كلهم أقرباء


(١) في (د): فيجب.

(٢) في (هـ): الصلات.

(٣) الأحكام (١/ ٣٣٦).