باب القول في العمرى والرقبى
  فيهما وقلنا بموجبه من أنهما يقتضيان الهبة، إلا أن الهبة تنصرف تارة إلى الأعيان وتارة تنصرف إلى المنافع، والعين تكون كالعارية، فكان الأصل فيهما الحديث المشهور رواه الطحاوي - في شرح الآثار - وغيره أن رسول الله ÷ قال: «لا تعمروا ولا ترقبوا، فمن أعمر شيئاً أو أرقبه فهو للوارث إذا مات»(١).
  فلم يفصل بين العمرى والرقبى، فأجراهما مجرى واحداً، وهو نفس قول يحيى بن الحسين #، خلاف ما ذهب إليه أبو حنيفة من التفرقة بينهما. وهذا الحديث رواه ابن جريج عن عطاء عن جابر قال: قال رسول الله ÷.
  ودل هذا الخبر على أنهما إذا أطلقتا كانتا هبة باتة.
  وروى الطحاوي عن أبي سلمة عن جابر أن رسول الله ÷ قال: «أيما رجل أُعْمِر عمرى له ولعقبه فإنها للذي يعطاها؛ لأنه أعطى عطاء وقعت(٢) فيه المواريث»(٣).
  فدل تعليله ÷ بأنه أعطى عطاءً وقعت(٤) فيه المواريث على أنها قد تكون على غير هذا الوجه، فصح بذلك ما ذهبنا إليه من أنها إذا أطلقت كانت هبة، وإذا قيدت بوقت كانت عارية؛ لأنهما لو كانتا هبة على كل وجه وقعتا لم يكن لتعليله معنى؛ إذ كان يكون وجود العلة وعدمها سواء. ثم سائر الأخبار الواردة في العمرى وردت مطلقة، منها: حديث زيد بن ثابت أن النبي ÷ جعل العمرى ميراثاً(٥)، وهذا هو ما نذهب إليه إذا كانت مطلقة.
  وعن أبي سلمة عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله ÷: «العمرى
(١) شرح معاني الآثار (٤/ ٩٣).
(٢) في (أ، ب، ج، د): عطا اوقعت.
(٣) شرح معاني الآثار (٤/ ٩٣) ولفظ سنن أبي داود (٢/ ٥٠١) وغيره: فإنها للذي يعطاها، لا ترجع إلى الذي أعطاها لأنه أعطى ... إلخ.
(٤) في (أ، ب، ج، د): عطا اوقعت.
(٥) أخرجه النسائي (٦/ ٢٧٠) والطحاوي في شرح معاني الآثار (٤/ ٩١).