باب القول في الوقف
  فإن قيل: ما تنكرون على من قال لكم: إن الكلام تم عند قوله: «لا نورث» وما بعده ابتداء وخبره؟
  قيل له: هذا يكون مجازاً؛ لأن الحر لا يورث على ما بيناه، وقوله ÷ محمول على الحقيقة لا على المجاز. على أن هذا التأويل ينافي قول الله ø: {وَوَرِثَ سُلَيْمَٰنُ دَاوُۥدَ}[النمل: ١٦]، وقوله حاكياً عن زكرياء: {يَرِثُنِے وَيَرِثُ مِنْ ءَالِ يَعْقُوبَۖ}[مريم: ٥]، وقوله: {۞يُوصِيكُمُ اُ۬للَّهُ فِے أَوْلَٰدِكُمْۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اِ۬لْأُنثَيَيْنِۖ}[النساء: ١١]، فصار ما تأولناه هو الصحيح.
  وقد اشتهر أن علياً #(١) وقف من ماله بينبع ووادي القرى وغيرهما، ورواه زيد بن علي، عن أبيه، عن جده عن علي $ أنه تصدق بها وكتب كتاباً فيه، واشترط فيه لا يباع ولا يوهب، ولا يورث أنا حي أو ميت، إلى آخر ما ذكره(٢).
  وروى ابن عمر أن عمر أصاب أرضاً بخيبر فأتى النبي ÷ فقال: إني أصبت أرضاً لم أصب مالاً قط أحسن منها، فكيف تأمرني؟ قال ÷: «إن شئت حبست أصلها لا يباع ولا يوهب» قال الراوي - وهو أبو عاصم -: وأراه قال: «ولا يورث» قال: فتصدق بها في الفقراء والقربى إلى آخر الحديث(٣).
  وعن ابن عمر أن عمر استشار رسول الله ÷ بمال له ذكر موضعه، فقال ÷: «تصدق به، تقسم ثمره، وتحبس أصله لا يباع ولا يوهب»(٤).
  وروي أن عثمان اشترى بئراً ووقفها على جميع المسلمين، وجعل دلوه فيها
(١) في (ب، د، هـ): أن النبي ÷. وظنن في هامشها بـ: علي # كما في شرح القاضي زيد.
(٢) مجموع الإمام زيد بن علي @ (٢٥٣).
(٣) أخرجه بهذا اللفظ الطحاوي في شرح معاني الآثار (٤/ ٩٥) وأخرج نحوه البخاري (٣/ ١٩٣) ومسلم (٣/ ١٢٥٥).
(٤) أخرجه الدارقطني في السنن (٥/ ٣٣١) والطحاوي في شرح معاني الآثار (٤/ ٩٥).