باب القول في الوقف
  وقال محمد والشافعي: لا يجوز ويبطل ذلك الوقف، حكى ابن أبي هريرة ذلك عن الشافعي.
  ويدل على ذلك: ما روي أن عثمان حين اشترى بئر رومة فوقفها على الناس اشترط أن يكون دلوه كدلاء المسلمين، وكذلك روي عنه أنه لما وقف استثنى نفقته ومؤنة عامله، وفيما روي من وقف عمر أرض خيبر: لا جناح على من وليها أن يأكل منها غير متمول، وروي: غير متأثل، ولم ينكر ذلك رسول الله ÷ ولا أحد من الصحابة، فجرى مجرى الإجماع من الصحابة، فكل ذلك يدل على أن للواقف أن يستثني ما شاء، فجاز أن يستثني لنفسه وولده ما شاء. وأيضاً هو شيء له أن يضعه في الغني والفقير، فوجب أن يجوز وضعه في نفسه وولده؛ دليله لحوم الأضاحي، وكذا عندنا وعند محمد لحوم هدي القارن والمتمتع.
  وقوله: «إن كان ذلك في سبيل من سبل الله» معناه أنه يصح إذا كان في اللفظ ما يدل على القربة، كأن يقول: صدقة أو قربة إلى الله أو ما يجري مجراه. وهذا دل على أن من مذهبه أنه لا يصح الوقف على ما لا يجوز أن يتقرب به(١)، وليس كذلك إنفاق المرء على نفسه وولده؛ لأنه قد يقع موقع القربة.
  وروى زيد بن علي عن أبيه، عن جده، عن علي $ قال: (الاكتساب من حلال جهاد، وإنفاقك إياه على عيالك وأقاربك صدقة)(٢).
  ولا يجوز على هذا الوقف على أبنية القبور وعمارتها؛ لأن ذلك مكروه. ولا يجوز الوقف أيضاً على البيع والكنائس وبيوت النار؛ لأن جميع ذلك من جملة المعاصي.
  اختلف في وقف المشاع، فأجازه أبو يوسف، وأبطله محمد، ولا نص فيه لأصحابنا، والذي عندي أنه يصح في المشاع الذي لا(٣) تتأتى فيه القسمة؛ لأنه
(١) في (ب، د): أنه لا يجوز الوقف على ما لا يتقرب به.
(٢) مجموع الإمام زيد بن علي @ (١٧٧).
(٣) «لا» ساقط من (ب، د).