باب القول في العارية
  فإن قيل: لو لم تكن العارية مضمونة في الأصل لم يجب الضمان باشتراطه كالوديعة.
  قيل له: يصح اشتراط الضمان في العارية لأن فيها ما يقابل الضمان، وهو الانتفاع، فصار ذلك عوضاً عن الضمان، كأنه قبل الانتفاع على عوض الحفظ، وليس ذلك في الوديعة، فلم يفد فيها الشرط.
  فإن قيل: لو كان ذلك كذلك صارت الإعارة بمنزلة الإجارة الفاسدة.
  قيل له: لا يمتنع أن تأخذ شبهاً من الإجارة وإن لم تكن إجارة حتى يجب فيها كل ما يجب في الإجارة، كما أن الإجارة تأخذ شبهاً من البيع ثم لم يجب(١) فيها كل ما يجب في البيع.
مسألة: [في التعدي في استعمال العارية]
  قال: وإن استعار دابة على أن يركبها إلى موضع فركبها إلى أبعد منه أو استعارها على أن يحمل عليها شيئاً فحمل عليها أثقل منه فتلفت ضمنها(٢).
  ووجهه: أنه قد تعدى حين ركبها إلى موضع لم يأذن له فيه صاحبها وحمل عليها ما لم يأذن له في حمله، فصار بمنزلة الغاصب، يضمنها كما يضمن الغاصب، وهذا مما لا خلاف فيه. وهكذا إن استعارها على أن يركبها فأعارها غيره.
  قال: وإن استعار ثوباً على أن يلبسه في البلد فسافر به ضمن(٣).
  ووجهه ما مضى.
  قال: وكذلك إن أعاره غيره ضمن(٤).
  اختلف قول أبي حنيفة ولم يصادم(٥) قولنا هو وأصحابه في المستعير إذا أعار غيره، لا خلاف بيننا وبينهم أنه إن اشترط الانتفاع بها هو بنفسه فأعارها أنه
(١) في (أ، ج، هـ): لا.
(٢) الأحكام (١٤٥، ١٤٦) والمنتخب (٥٢٦).
(٣) الأحكام (٢/ ١٤٦).
(٤) الأحكام (٢/ ١٤٦).
(٥) في (ب، د): يضام.