باب القول في العتق على الشرط
  فإن قيل: فالله تعالى قد سمى الرسل مبشرين وإن أتى(١) واحد بعد واحد.
  قيل له: هذا لا يشبه ما نحن فيه؛ لأن الرسل صلى الله عليهم أجمعين ورد كل واحد منهم في الأغلب إلى قوم فكان بشيراً لهم، وأيضاً عرف من جهة كل واحد من تفاصيل ما بشر به المؤمنون ما لم يعرف من جهة غيره، فصح أن يكون الجميع منهم مبشرين، وليس كذلك مسألتنا؛ لأنا إنما قلنا ذلك إذا كان المبشَّر واحداً، وكان الذي وقعت البشارة به أمراً واحداً على وجه واحد.
  فإن قيل: لا يمتنع أن يقول الإنسان: أتاني بكذا مبشر بعد مبشر، فيسمى الثاني مبشراً.
  قيل له: هذا على وجه التوسع، والحقيقة ما ذكرناه؛ لما بيناه.
مسألة: [في تعليق العتق على مشيئة الله]
  قال: ولو أن رجلاً قال لعبده: «أنت حر إن شاء الله» عتق العبد إن كان مسلماً عفيفاً، ولم يعتق إن كان فاسقاً فاجراً، وكذا القول إن قال له: «أنت حر بعد وفاتي إن شاء الله(٢)» الاستثناء عند أكثر العلماء يمنع وقوع العتق.
  ووجهه: أن التقدير في هذا إن كان شاء الله ذلك عنده(٣) على ما بيناه في الاستثناء في الطلاق، ومن مذهبه أنه لا قربة في عتق الفاسق، ومشيئة الله ø لا تتناول من أفعالنا إلا ما كان قربة، فإذا لم تتعلق مشيئته ø بعتق الفاسق على أصله فهو بمنزلة من علق عتقه على شرط ولم يحصل الشرط في أنه لا يقع العتق.
  فإن قيل: روي عن النبي ÷ أنه قال: «من قال إن شاء الله فقد استثنى».
(١) «وإن أتى» ساقط من (ب).
(٢) الأحكام (٢/ ٣٤٥).
(٣) أي: عند الهادي #. (من هامش ب).