باب القول فيمن أعتق الشقص من مملوكه
  الذمة، خلافاً لأبي حنيفة من أن بيعه من الذمي يجوز، ويمنع من إمساكه، ويؤخذ ببيعه، وقول الشافعي: إنه لا يجوز، وأظنه(١) أحد قوليه.
  والدليل على ما ذهبنا إليه قول الله تعالى: {وَلَنْ يَّجْعَلَ اَ۬للَّهُ لِلْكَٰفِرِينَ عَلَي اَ۬لْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاًۖ ١٤٠}[النساء: ١٤١] ومن أعظم السبيل(٢) أن يتمكن(٣) من تملك رقابهم وامتهانهم بذلك، وروي عن النبي ÷ أنه قال: «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» ومن العلو أن يتملك رقبته باختياره ويتصرف في ذلك.
  فإن قيل: أليس يملكه بالإرث، وبأن يسلم عنده، ويجوز التصرف فيه بالبيع؟
  قيل له: تملكه بالإرث وبأن يسلم عنده لم يقع باختياره، ونحن نمنعه من استدامة الملك عليه، وتصرفه بالبيع(٤) إنما هو لإزالة حكمه عنه ورفع تملكه له، فلم يقع في شيء له علو عليه(٥)، وليس كذلك إذا ملكه بالشراء؛ لأنه يبتدئ التملك له باختياره وفعله، فلم يتشابه الأمران. على أن ما ذكرتموه تخصيص، ونحن استدللنا بالظاهر، ولا خلاف أن الظاهر يجوز تخصيصه. ولا خلاف أنه يجبر على بيعه، فليس يخلو ذلك من أن يكون لمنع ملكه، أو لمنع تصرفه فيه بالاستخدام، ولا يجوز أن يكون لمنع تصرفه فيه بالاستخدام؛ لأنه لو استخدمه على سبيل الإجارة لجاز، وكذلك لو استأجر الحر المسلم لجاز، فثبت أن المنع إنما هو من التملك، فوجب أن نمنعه من التملك ابتداء.
  فإن قيل: فهذا ينتقض بالإرث، وبإسلامه عنده.
(١) في (أ، ج): وأظن أنه.
(٢) في (د): السبل.
(٣) كذا في المخطوطات: ولعلها: يمكن.
(٤) في (أ، ب، ج، د): في البيع.
(٥) في (هـ): فلم يقع في شيء علوه عليه.