باب القول في المكاتبة
باب القول في المكاتبة
  يستحب مكاتبة من يطلب المكاتبة من المماليك إن علم فيه الخير، والخير هو التقوى والدين والوفاء، وذلك لقول الله ø: {وَالذِينَ يَبْتَغُونَ اَ۬لْكِتَٰبَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ...} الآية [النور: ٣٣] وحكي عن الظاهري أن ذلك واجب تعلقاً بقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ ...} لأن ذلك أمر، والأمر يقتضي الإيجاب.
  ونبه يحيى # على أنها ندب بقوله: والكتابة أن يتراضى العبد والسيد. ولو كانت واجبة لصح فيها الإجبار ولم يعتبر فيها التراضي.
  ووجه صرفه إلى الاستحباب: هو(١) القياس على سائر المعاوضات؛ إذ ليس في شيء منها واجب، فخص ظاهر الإيجاب بقوله ø: {وَلَا تَأْكُلُواْ أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِالْبَٰطِلِ}[النساء: ٢٩] وقوله ÷: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه».
  قال يحيى بن الحسين # في قوله تعالى: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراٗۖ}[النور: ٣٣] من جملة الخير الإيفاء لمن كاتب، والإيفاء لا يكون إلا بأن يكون له كسب يرى أنه يتوصل به إلى الوفاء، فيجري ذلك مجرى الكسب أو غير ذلك مما يغلب على الظن أنه يتوصل به إلى أداء مال الكتابة.
فصل: [في عدم وجوب الإيتاء للمكاتب والحط عنه]
  لم يذكر يحيى بن الحسين # في الإيتاء نصاً، ولم يوجب على مولاه أن يحط عنه شيئاً أو يعطيه شيئاً لا في كتاب المكاتب ولا في كتاب الزكاة في تفسير قوله ø: {وَفِے اِ۬لرِّقَابِ}[التوبة: ٦٠]، فبان أنه غير واجب عنده، خلافاً لما قال الشافعي، وقد نبه على ذلك عند ذكره مال الكتابة: فإذا أدى ذلك فقد صار حراً، فلم يوقع الحرية إلا بأداء ما كوتب عليه، ولو كان الحط واجباً في شيء منه
(١) في (ب، د، هـ): فهو.