باب القول في المكاتبة
  لم يقل ذلك، ثم قال بعد ذلك: فإن عجز عن شيء من كتابته كان مردوداً في الرق، وهذا نص في أنه لا يجب حط شيء منه؛ لأن ذلك لو وجب لم يصح أن يقول: إن عجز عن شيء منه رد في الرق، بل كان يجعل ذلك محطوطاً عنه ويمضي عتقه.
  وما ذهبنا إليه به قال أبو حنيفة.
  والدليل على ذلك قول الله تعالى: {لَا تَأْكُلُواْ أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِالْبَٰطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَٰرَةٌ عَن تَرَاضٖ مِّنكُمْۖ}[النساء: ٢٩] ومال الكتابة مال لسيد العبد، فلا يحل للعبد منه شيء إلا برضاه، ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُواْ أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِالْبَٰطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَي اَ۬لْحُكَّامِ}[البقرة: ١٨٨] وقوله ÷: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه».
  فإن قيل: فقد أوجبه الله ø بقوله: {وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ اِ۬للَّهِ اِ۬لذِے ءَاتَيٰكُمْۖ}[النور: ٣٣].
  قيل له: المراد به عندنا هو أن يعطوا من مال الصدقات يستعينوا به على أداء الكتابة، وهو الذي ذكره الله تعالى في آية الصدقات حيث يقول: {وَفِے اِ۬لرِّقَابِ}[النساء: ٦٠] وما يتطوع به الإنسان عليه من الإعطاء.
  والدليل على صحة أن ما نذهب(١) إليه هو المراد(٢) بالآية أن الله ø خاطبنا أجمعين بقوله: {وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ اِ۬للَّهِ اِ۬لذِے ءَاتَيٰكُمْۖ} فظاهره أنه خطاب لمن كاتب ولمن لم يكاتب، فدل أنه ندب للجميع.
  فإن قيل: هو خطاب للموالي؛ لأنه عطف به على قوله: {فَكَاتِبُوهُمْ}.
  قيل له: لا يجب حمل الخطاب بعضه على بعض إذا كان كل واحد منه يستقل بنفسه، بل يجب حمل كل واحد منه على عمومه، ويدل على ذلك قوله: {مِّن مَّالِ
(١) في (ب): والدليل على أن صحة ما نذهب إليه. وفي (د): والدليل على صحة ما نذهب إليه.
(٢) في (د): هو أن المراد.