باب القول في المكاتبة
  أحدهما: أن من أصله(١) أن العتق لا يتبعض على ما مضى القول فيه.
  والثاني: أن من مذهبه أنه يرد في الرق إذا عجز عن إيفاء الجميع مما عليه، ولا خلاف أن الرق لا يجري على الحر في دار الإسلام، وروي عن علي # - رواه زيد بن علي $ - أنه لا يقضي بعجز المكاتب حتى يمضي عليه نجمان، فنبه على أنه يرده في الرق بالعجز، ولو صار بعضه حراً على الحقيقة لم يكن لذلك معنى، فدل ذلك على أن مذهبه أيضاً هو ما حصلناه في هذا الباب.
  والأصل في هذا الباب: حديث عكرمة عن ابن عباس عن النبي ÷ قال: «يودى المكاتب بحصة ما أدى دية حر، وما بقي دية عبد»(٢) فأوجب ÷ أن يجرى عليه حكم الحر في باب الدية بقدر ما أدى.
  وروى محمد بن منصور بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي ÷ قال: «إذا أصاب المكاتب ميراثاً أو حداً فإنه يرث على قدر ما أعتق منه، ويقام عليه الحد بمقدار ما عتق منه»(٣) ولم يقل: إنه صار حراً بمقدار ما أدى.
  وروى نحو هذا في المواريث زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي $(٤).
  فصار ذلك أصلاً في الأحكام التي يصح فيها التبعيض مما يختلف فيه حكم العبد وحكم الحر.
  فإن قيل: فكيف يجوز أن يحكم له بحكم الحر في بعضه وهو عبد عندكم؟
  قيل له: لا يمتنع ذلك، ألا ترى أنه حين يكاتب يصير في كثير من الأحكام في حكم الحر ويخرج عن أحكام العبد، وذلك في الشراء والبيع والتصرف على
(١) في (أ، ب، ج، د) ونسخة في (هـ): قوله.
(٢) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ٥٤٧) ونحوه أبو داود (٣/ ١٩٨).
(٣) أمالي أحمد بن عيسى (٤/ ٢٠١).
(٤) مجموع الإمام زيد بن علي @ (٢٥١).