باب القول في الأيمان
مسألة: [فيمن حلف ألا يأكل اللحم فأكل الشحم]
  قال: وإن حلف ألا يأكل اللحم فأكل الشحم حنث إن كانت اليمين مبهمة، فإن استثنى الشحم بنيته لم يحنث(١).
  وذلك أن إطلاق اللحم يشتمل على اللحم والشحم؛ بدلالة أن من اشترى اللحم لم يمكنه أن يرد منه الشحم، وكذلك وكيله إذا اشترى الشحم مع اللحم صح ذلك، والعرف جار في أن يعد الشحم من اللحم، والإطلاق يتناولهما جميعاً، إلا أن يكون استثنى بنيته الشحم فإنه لا يحنث؛ لأنه يكون تخصيصاً، فتقع اليمين خاصة للحم دون الشحم. وعند الشافعي لا يحنث، وعند أبي حنيفة يحنث مثل قولنا إلا في الألية وشحم البطن.
مسألة: [فيمن حلف ألا يأكل الرؤوس فأكل من رؤوس الطير أو ما أشبهها]
  قال: وإن حلف ألا يأكل الرؤوس فأكل من رؤوس الطير أو ما أشبهها لم يحنث إلا أن يكون نواها الحالف(٢).
  ما قلناه: من أنه لا يحنث بأكل رؤوس الطير وما أشبهها قال به أبو حنيفة وأصحابه والشافعي، ولا خلاف أنه يقع على رؤوس الغنم، واختلفوا في رؤوس البقر والإبل، فقال أبو حنيفة: يقع على رؤوس البقر، قال أبو يوسف ومحمد: لا يقع إلا على رؤوس الغنم خاصة، قال الشافعي: يقع على رؤوس البقر والإبل.
  ووجه ما ذهبنا إليه: أن العرف في أكل الرؤوس لا يقع على رؤوس العصافير والسموك(٣) ونحوها، والأيمان تتبع العرف على ما بينا. فإن كان نواها تناولها اللفظ للنية فيحنث. فأما رؤوس البقر والإبل فلا نص فيه عن أصحابنا، لكن الواجب فيها أن يحمل كل قوم على عرفهم وعادتهم.
(١) المنتخب (٣٠٨).
(٢) المنتخب (١٨٤).
(٣) في (هـ): والسمك.