باب القول في الأيمان
  يحيى # بعد هذه المسألة عند ذكر الفانيذ(١).
  فأما ما يستدل به من يريد نصرة أبي حنيفة في قوله: إن العنب والرمان ليسا بفاكهة لقول الله تعالى حين عطف الفاكهة على العنب بقوله: {فَأَنۢبَتْنَا فِيهَا حَبّاٗ ٢٧ وَعِنَباٗ وَقَضْباٗ ٢٨ وَزَيْتُوناٗ وَنَخْلاٗ ٢٩ وَحَدَآئِقَ غُلْباٗ ٣٠ وَفَٰكِهَةٗ وَأَبّاٗ ٣١}[عبس] وعطف الرمان على الفاكهة في قوله: {فِيهِمَا فَٰكِهَةٞ وَنَخْلٞ وَرُمَّانٞۖ ٦٧}[الرحمن] والشيء لا يعطف على نفسه، وإنما يعطف على غيره - فقد أبعد على طريقة أبي حنيفة؛ لأنه لا يحمل الأيمان على ألفاظ القرآن، وإنما يحملها على العرف، ألا ترى أنه يقول: من حلف ألا يأكل لحماً فأكل سمكاً لم يحنث، وقد قال الله تعالى: {وَهْوَ اَ۬لذِے سَخَّرَ اَ۬لْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماٗ طَرِيّاٗ}[النحل: ١٤] فلم يعتبر ذلك، واعتبر العرف، وكذلك يقول: إن اللؤلؤ ليس من الحلية، وقد قال الله سبحانه: {وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةٗ تَلْبَسُونَهَاۖ} فلم يعتبر ذلك، واعتبر العرف، وهو الصحيح، ألا ترى أنه لا خلاف أن من حلف ألا يشتري دابة فاشترى هراً لم يحنث، وإن كان الله ø سمى كل ما يدب دابة بقوله: {۞وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِے اِ۬لْأَرْضِ إِلَّا عَلَي اَ۬للَّهِ رِزْقُهَا}[هود: ٦] لما كان الاسم قد صار من جهة العرف لهذه البهيمة المخصوصة، وكذلك ما اختلفنا فيه.
  على أن أكثر ما في ذلك أن نصرف الآية عن ظاهرها ونقول: إن فيها إضماراً وتقديراً(٢)، كأنه ø قال: وحدائق غلباً وغير ذلك مما يكون فاكهة، وتقدير قوله: {فِيهِمَا فَٰكِهَةٞ وَنَخْلٞ وَرُمَّانٞۖ ٦٧}: فيهما فاكهة ومنها نخل ورمان، ويستدل على ذلك بالعرف، ومثله قد ورد في ذكر الملائكة والأنبياء مما هو مشهور.
(١) في المطبوع: الفاسد. وهو تصحيف.
(٢) في (أ، ج، د): وتقديره.