باب القول فيما يوجب الكفارة
  توقيت، فتعلق انعقادها بآخر الوقت، فإذا وجد آخر الوقت - وهو عند موت زيد - واستحال وجود الإذن سقطت اليمين. وهذا يضعف جداً؛ لأنه علق به يمينه على شرط، وإذا استحال حصول الشرط استحال أن يبر، ووجب أن يحنث، كما أنه لو حلف ألا يكلم زيداً حتى يشيب الغراب أو يبيض القار حنث متى كلمه.
  والصحيح عندي في هذا أن يقال: إن العرف في الأيمان بمنزلة النطق، والعرف أن الإنسان إذا قال: «لا أكلم فلاناً حتى يأذن لي زيد» إنما يريد ما دام زيد حياً يصح منه الإذن، أو ترجى صحته إن عرضت حالة منعت منه، فكأنه لما حلف قال: لا أكلمه حتى يأذن لي زيد ما دام على هذه الصفة، وإن لم ينطق به، فإذا زالت الصفة سقطت اليمين. وهذا الوجه(١) يمكن أن يقال فيمن حلف أن يقتل فلاناً، وفلان ميت، وهو لا يعلم بموته.
مسألة: [فيمن ردد أيماناً في شيء واحد ثم حنث]
  قال: وإذا ردد أيماناً عدة في شيء واحد ثم حنث لم تلزمه إلا كفارة واحدة(٢).
  وهو قول القاسم #. قال أبو حنيفة: يكفر بعدد الأيمان. وأظنه قول الشافعي.
  والدليل على ما ذهبنا إليه: قول الله تعالى بعد انقطاع ذكر الكفارة: {ذَٰلِكَ كَفَّٰرَةُ أَيْمَٰنِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْۖ}[المائدة: ٨٩] فجعل بظاهر الآية الكفارة الواحدة كفارة لأيمان عدة.
  فإن قيل: فقد قال الله ø: {وَلَٰكِنْ يُّؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ اُ۬لْأَيْمَٰنَۖ}[المائدة: ٨٩] والمؤاخذة على الأيمان المعقودة عندكم هي مؤاخذة بالكفارة، فإذا عقد
(١) يعني اعتبار العرف. (من شرح القاضي زيد).
(٢) الأحكام (٢/ ١٢٦) والمنتخب (٣١٩).