باب القول فيما يوجب الكفارة
  أيماناً عدة فيجب أن يأخذه(١) بكفارات عدة.
  قيل له: لا نسلم أنه عقد على الحقيقة إلا يميناً واحدة؛ لأن الثانية إذا لم تفد إلا ما أفادته الأولى لا يكون لها انعقاد. على أن ذلك لو كان مسلماً لم يكن لكم فيه حجة؛ لأنه تعالى أوجب بظاهر الآية على عقد الأيمان كفارة واحدة حين قال: {وَلَٰكِنْ يُّؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ اُ۬لْأَيْمَٰنَۖ}. وأيضاً الموجب للكفارة هو الحنث، والحنث هو واحد، ولم يهتك إلا حرمة واحدة، فوجب ألا تلزم إلا كفارة واحدة. ولأن اليمين الثانية والثالثة لم تفد غير ما أفادته الأولى، فلم يجتمع هناك حرمات(٢)، بل ليس إلا حرمة الأولى؛ دليله سائر العقود؛ لأن كل من عقد عقداً أوجب حكماً فتكرير ذلك العقد لا يوجب غير الحكم الأول، مثل عقد الإحرام، وعقد النكاح، وعقد البيع، وعقد الإجارة.
  فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون الموجب للكفارة هو اليمين، فيجب أن تكون الكفارات بحسبها؟
  قيل له: عندنا أن اليمين التي انعقدت عليه إنما هي يمين واحدة، والباقي(٣) لا حكم لها بمنزلة اللغو كما بيناه في سائر العقود. على أن ذلك لو لم يكن كذلك لم يصح أن يكون الموجب للكفارة هو(٤) اليمين؛ لأن اليمين توجد ولا تجب الكفارة، ولا يوجد الحنث إلا وتجب الكفارة، فالأولى أن يكون الموجب هو الحنث كما نقول ذلك في قتل الصيد وقتل المؤمن.
  فإن قيل: ألستم تقولون: إن على القارن إذا قتل صيداً جزاءين؟ فما أنكرتم مثله في كفارة اليمين؟
(١) في (هـ): يؤاخذ.
(٢) في (ب): حرمتان.
(٣) في (هـ): والثانية.
(٤) في (أ، ج): هي.