شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول فيما يوجب الكفارة

صفحة 128 - الجزء 5

مسألة: [فيمن قال: مالي للمساكين إن لم أفعل فلم يفعل]

  قال القاسم # فيمن قال: «مالي للمساكين إن لم أفعل» ثم لم يفعل: إن عليه أن يخرج ثلث ماله إلى المساكين، ويمسك باقيه على نفسه.

  وهذه المسألة تشتمل على مسألتين: إحداهما: من حلف بجميع ماله يجزئه إخراج الثلث، وهذا قد تكلمنا عليه في كتاب الحج بما أغنى.

  والثانية: أنه يلزمه الوفاء بما نذر به إن حنث، وهذا مما اختلف فيه، فذهب أبو حنيفة إلى أنه يلزمه الوفاء بما ألزم نفسه مثل قولنا، وذهب الشافعي إلى أنه مخير بين أن يفي بذلك وبين أن يلزم كفارة اليمين.

  ووجهه: أن لزوم الوفاء لا خلاف فيه، وقد أوجبه قول الله ø: {يَٰأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِۖ ١}⁣[المائدة: ١] وقول النبي ÷: «المؤمنون عند شروطهم» [وقوله: {أَوْفُواْ بِالْعُقُودِۖ ١}]⁣(⁣١) وإنما الخلاف في هل تقوم الكفارة مقامه أو لا؟ ولا يصح إثبات بدل لا دليل عليه، فوجب سقوطه.

  فإن قيل: فقد قال الله ø: {ذَٰلِكَ كَفَّٰرَةُ أَيْمَٰنِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْۖ}⁣[المائدة: ٨٩] وهذا ضرب من اليمين، ولأن الناذر أخرجه مخرج اليمين.

  قيل له: ليس بيمين في الحقيقة وإن كان الناذر أخرجه مخرج اليمين، ألا ترى أن النبي ÷ لما قال: «واليمين على المدعى عليه» لم يدخل فيها هذا القبيل؟ فعلم أنه ليس بيمين في الحقيقة، فلا يجب أن يحمل ظاهر الآية عليه. وأيضاً لا خلاف أن الكفارة لا مدخل لها في الأيمان بالطلاق والعتاق، فكذلك في الصدقات والحج والصيام، والعلة أنها أيمان بغير الله. ولا خلاف أن الكفارة لا تدخلها⁣(⁣٢) في قول الرجل: إن شفى الله مريضي فلله عليَّ صدقة درهم، أو صيام يوم، كذلك إن قال: إن دخلت الدار، والمعنى أن كل واحد منهما قربة


(١) ما بين المعقوفين ساقط من (هـ).

(٢) كذا في المخطوطات.