باب القول في كفارة اليمين
  الدليل خلاف ذلك، فدل ظاهره على أن الكفارة تلزمه متى حنث سواء تقدمته كفارة أخرى أو لم تتقدم.
  فإن قيل: فقد روي: «فليكفر عن يمينه ثم ليأت الذي هو خير»(١).
  قيل له: يجوز أن يقوم الدليل على أن «ثم» لا توجب الترتيب، يبين ذلك قول الله ø: {ثُمَّ كَانَ مِنَ اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ}[البلد: ١٧] ولا خلاف أنه لم يرد الترتيب، وقوله: {ثُمَّ ءَاتَيْنَا مُوسَي اَ۬لْكِتَٰبَ تَمَاماً}[الأنعام: ١٥٤] إلا أن هذا يكون فيه خلاف الحقيقة، ويكون ضرباً من المجاز، فلا بد على هذا من أحد الأمرين: إما أن نجعل «ثم» في خبرنا مجازاً أو في خبرهم أو فيهما جميعاً؛ إذ لا يجوز أن نجعلها في الموضعين حقيقة؛ لأن ذلك يؤدي إلى التناقض، ولأن ذلك يؤدي إلى وجوب وقوع كل واحد منهما بعد صاحبه، فهذا يستحيل عقلاً فكيف سمعاً؟ ولا يجوز أن نجعلها مجازاً في الموضعين؛ إذ لا ضرورة تدعو إلى ذلك؛ لأن الحقيقة إنما تجعل مجازاً إذا اضطرت الدلالة إليه، فلا يجوز أن تكون(٢) حقيقة في خبرهم؛ لأنه يوجب تقدم(٣) الكفارة على الحنث، وهذا باطل بالإجماع، فلم يبق إلا أن تكون مجازاً في خبرهم حقيقة في خبرنا، فإذا ثبت أنه مجاز في خبرهم سقط الترتيب عن خبرهم وثبت في خبرنا، فصح ما ذهبنا إليه.
  وعلى هذا يجري الكلام فيما روي من الخبرين بالواو(٤)؛ لأن الواو عندنا يوجب الترتيب إذا جاء في الشرع وإن لم يوجبه في أصل اللغة. ولا خلاف بيننا وبينهم أن الصوم لا يجوز تقدمه على الحنث، فكذلك ما عداه، والعلة أنه كفارة يمين فلا يصح فعلها قبل الحنث. وأيضاً فقد حلف وحنث فيجب أن تلزمه
(١) أخرجه أبو داود في السنن (٢/ ٤٣٧).
(٢) في (ب، د): تجعل.
(٣) في (د، هـ): تقديم.
(٤) أخرجهما مسلم (٣/ ١٢٧٢، ١٢٧٣).