شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في كفارة اليمين

صفحة 150 - الجزء 5

مسألة: [في أن الكفارة لا تجزي إلا بعد الحنث]

  قال: ولا تجزئ الكفارة إلا بعد الحنث⁣(⁣١).

  وبه قال أبو حنيفة ومالك، وقال الشافعي: تجزئ قبل الحنث، وفصل بين الكفارات الثلاث وبين الصوم، فلم يجز الصوم، وأجاز البواقي.

  والدليل على صحة ما ذهبنا إليه قول الله تعالى: {وَلَٰكِنْ يُّؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ اُ۬لْأَيْمَٰنَۖ}⁣[المائدة: ٨٩] فبين ø أنه يؤاخذنا بها، وبين أن المؤاخذة هي المؤاخذة بالكفارة، فدلت الآية على وجوب الكفارة، فليس يخلو الوجوب من أن يكون متعلقاً باليمين أو بالحنث أو بهما جميعاً، فلو كان متعلقاً باليمين لوجبت الكفارة عقيب اللفظ باليمين، وهذا فاسدٌ بالإجماع، فلم يبق إلا أنها تتعلق بالحنث منفرداً أو مع اليمين، وأيهما كان فقد وجب أن يكون للآية ضمير، كأنه ø قال: فكفارته إذا حنثتم إطعام عشرة مساكين، كما أن التقدير في قوله: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَيٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَۖ}⁣[البقرة: ١٨٤] فأفطر فعدة من أيام أخر، وفي قوله ø: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِۦ أَذيٗ مِّن رَّأْسِهِۦ فَفِدْيَةٞ}⁣[البقرة: ١٩٦] فحلق ففدية من صيام، وإذا ثبت ذلك فكأنه قال ø من قائل: {فَكَفَّٰرَتُهُۥ} إذا حنثتم {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَٰكِينَ} فأوجب الكفارة بعد الحنث، فإذا ثبت ذلك فسواء تقدمت الكفارة على الحنث أو لم تتقدم فهي واجبة بعد الحنث⁣(⁣٢)، فصح ما ذهبنا إليه.

  وأيضاً روي: «من حلف على شيء فرأى غيره خيراً منه فليأت الذي هو خير ثم ليكفر عن يمينه» و «ثم» توجب الترتيب في أصل موضوعه ما لم يقتض


(١) على أصل يحيى #؛ لقوله في الأحكام: إذا حلف أن لا يفعل شيئاً ففعله فعليه الكفارة، فدل على أنه يجب بفعله، وفعله هو الحنث. (من شرح القاضي زيد).

(٢) ولفظ شرح القاضي زيد: وإذا ثبت بالآية وجوبها بعد الحنث فسواء كفر قبل الحنث أو لم يكفر وجب عليه أن يكفر بعدها.