مسألة: [في أن الحد لا يسقط بتقادم عهد الجناية إذا وقعت في ولاية الإمام]
  قيل له: كل ذلك إساءة للظن بالعدول، وذلك محرم؛ لأنه يجوز خلاف ما ذهبتم إليه؛ لأنه يجوز أن يكونوا تركوها في الأول استهانة بالحد ومحاباة ثم تابوا من بعد ذلك وأنابوا، والشهادة تعتبر فيها العدالة في حال الأداء لا في حال التحمل، ويجوز أن يكونوا تركوها خوفاً من فساد أعظم من ذلك يجري من ظالم أو متغلب أو نحوه، ويجوز أن يكونوا تركوها ستراً عليه حتى ظنوا أنه يزداد عتواً وضلالاً فأقاموها إذا لم يروا الصلاح في الستر، فإذا احتمل ذلك كله لم يجز إسقاط الشهادة وترك الحد، وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٞ فِے دِينِ اِ۬للَّهِ}[النور: ٢] وروي عنه ÷ أنه قال: «لا(١) ينبغي لوالٍ أن يؤتى بحد إلا أقامه»(٢) وروي عنه: «تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد وجب»(٣).
  فأما من كانت جنايته قبل ولاية الإمام فإن الإمام إذا تولى لم يحده؛ لأنه جنى جناية لم يجب فيها حد حين جنى؛ لفقد الإمام، ولا ينبغي أن يحصل الوجوب إلا(٤) إذا وجد الإمام، كالمعتوه إذا جنى ولم يجب في جنايته الحد لفقده العقل إذا عقل لم يحصل وجوب الحد، وكالصغير إذا جنى كذلك، والمجوسي إذا لم يجب أن يحد لشربه الخمر لفقد الإسلام إذا أسلم لم يلزمه، فكذلك من لم يلزمه الحد لفقد الإمام إذا وجد الإمام لم يلزمه؛ لأن جنايته وقعت يوم وقعت ولم يجب فيها الحد قياساً على ما ذكرناه.
  فإن قيل: ولم قلتم: إن الحد لا يجب إذا جنى؟
  قيل له: لأن الواجب لا يصير واجباً إلا وهناك من يجب ذلك عليه، فلو
(١) في (أ، ج): ما.
(٢) أخرجه عبدالرزاق في المصنف (٧/ ٣٧٢) والبيهقي في السنن الكبرى (٨/ ٥٧٥).
(٣) أخرجه أبو داود (٣/ ١٣٧) والنسائي (٨/ ٧٠).
(٤) كذا في المخطوطات، ولعل الصواب حذف «إلا».