مسألة: [في أن الحد لا يسقط بتقادم عهد الجناية إذا وقعت في ولاية الإمام]
  وجب الحد لم يخل من أن يجب على الجاني نفسه أو على المسلمين أو على الإمام، ولا يجوز أن نقول: إنه يجب إقامتها على الجاني نفسه؛ لأن الإنسان لم يجب عليه أن يقيم الحد على نفسه، بل لا يجوز ذلك، ولا يجب إقامتها على المسلمين، لا خلاف في ذلك، ولا يجوز أن يجب على الإمام؛ إذ لا إمام، فإذا صح ذلك صح أنه لم يجب على وجه من الوجوه يوم وقعت الجناية، ألا ترى أن واحداً ممن ذكرنا لا يحسن منه أن يقيم عليه الحد؟ والوجوب صفة زائدة على الحسن، فكيف يجوز أن يجب ما لا يجوز أن يحسن؟
  فإن قيل: فهل تقولون في الزكوات والعشور إذا لم تؤد قبل ولاية الإمام: إن للإمام أن يستوفيها إذا تولى أم ليس له ذلك كما قلتم في الحدود؟
  قيل له: نقول: إن للإمام أن يستوفيها؛ لأن الزكوات والعشور قد ثبت وجوبها على أرباب الأموال؛ لأن أرباب الأموال يجب عليهم أداؤها إلى الفقراء إذا لم يكن إمام، فقد كان ذلك واجباً عليهم قبل ظهور الإمام، فلما وجبت كان له أن يستوفيها عليهم، وليس كذلك الحدود؛ لأنا قد بينا أنها لم تكن واجبة قبل ولاية الإمام، فلا تجب بولاية الإمام(١)، وإذا لم تجب لم يجز له أن يستوفيها.
مسألة: [في درء الحدود بالشبهات]
  قال: والأصل في الحدود كلها أنها تدرأ بالشبهات، فكل من فعل فعلاً يوجب الحد لشبهة دخلت عليه درئ عنه الحد.
  وذلك لقوله ÷: «ادرؤوا الحدود بالشبهات» ولأن الواجب في الحدود الدرء ما أمكن للروايات الواردة في ذلك، منها:
  ما ورد أن ماعزاً جاء إلى النبي ÷ يقر على نفسه بالزنا فكان يعرض عنه، وفي بعض الأخبار أنه كان يطرده كلما حضره معترفاً إلى أن تم إقراره أربع
(١) في (هـ): فلم تجب بولايته.