شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

مسألة: [في أن الحد لا يسقط بتقادم عهد الجناية إذا وقعت في ولاية الإمام]

صفحة 160 - الجزء 5

  وبين الحد أن الحد لا اجتهاد في عدده وموضعه، أعني ما يجتهده الإمام بحسب ما يراه صلاحاً في الحد⁣(⁣١)، ولا مسرح فيه⁣(⁣٢) للعفو، والتعزير فيه هذا القبيل من الاجتهاد، فأما أن يكون مباحاً فذلك لا معنى له.

  فإن قيل: التعزير مباح؛ بدلالة ما روي أن رجلاً قال للنبي ÷: اعدل، وفي بعض الأخبار أنه قال: ما عدلت، فقال له: «فمن يعدل إذا لم أعدل؟!»⁣(⁣٣) ولم يعزره.

  قيل له: هذا لا يدل على أن التعزير غير واجب، بل يدل على أنه يجوز فيه العفو، ألا ترى أن الحقوق الواجبة يصح فيها العفو، كالقصاص والديون وما أشبهها؟ وجواز العفو في الشيء لا يدل على أنه لم يكن واجباً في الأصل.

  فأما إذا أخطأ الإمام فالدية إن بلغ ذلك القتل والأرش إن لم يبلغ القتل يجب أن تكون في بيت المال عند أبي حنيفة مثل قولنا، وهو أحد قولي الشافعي، وقوله الثاني أنه على عاقلة الإمام.

  ووجه ما ذهبنا إليه من أنه يجب في بيت المال: أن المسلمين له كالعاقلة فيما يتعلق بالدين والمصالح والأمور التي تتعلق بالإمامة؛ لأنه هو⁣(⁣٤) على النصرة، والإمام ينصره المسلمون في هذه الوجوه كنصرة العاقلة، وهو عليهم يعتمد، وإليهم يلتجئ، وهم عليه يعتمدون، وإليه يلتجئون في الأحوال التي ذكرناها، فصاروا له في حكم العاقلة، فوجب أن يكون خطؤه فيما يتعلق بإقامة ما له نصب من الإصلاح والحدود وما جرى مجرى ذلك في⁣(⁣٥) بيت مال المسلمين؛ لما


(١) «في الحد» ساقط من (هـ).

(٢) في (ب، د، هـ): له.

(٣) أخرجه البخاري (٤/ ٢٠٠) ومسلم (٢/ ٧٤٤).

(٤) «هو» ساقط من (هـ).

(٥) في (أ، ج): وما جرى مجرى ذلك يكون في.