باب القول في حد الزنا
  فيما يؤديه عن الله، وهذا يجري مجرى الأداء عن الله؛ لأنه يؤخذ عنه.
  على أنه لو كان السهو يجوز منه لوجب أن يعرف المسلمين أن ذلك كان سهواً، ولوجب أن يلتزم أرشه؛ لأنه لا خلاف أن الإمام إذا سها فأخطأ وضرب من لم يستحق الضرب كان الأرش إما على عاقلته وإما على بيت المال.
  فإن قيل: فلم يأمر النبي ÷ أنيساً بالجلد حين قال: «اغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» ولم يرو أنه جلدها.
  قيل له: أما قوله: «فارجمها» فيجوز أن يكون اقتصر على ذلك القدر لعلم المخاطب بأن الرجم من شرطه أن يتقدمه الجلد، فأجمل، ألا ترى أن للإقرار شرائط من صحة(١) العقل، واستفسار الزنا، وعندنا وعند أبي حنيفة لا بد من التكرير أربع مرات؟ والنبي ÷ لم يذكر شيئاً من ذلك، واقتصر على قوله: «فإن اعترفت فارجمها» تعويلاً على ما عرف(٢) من علم أنيس بذلك، فكذلك الجلد، وقولهم: إنه(٣) لم يرو أنه جلد فهو كما لم يرو كيف كان تثبته وسؤاله، وكيف وقع الرجم، وأين وقع. وعلى هذا النحو يجري الكلام فيما روي من رجم ماعز أنه لم يرو أنه جلد.
  والشافعي يوجب النفي على الأمة إذا زنت ستة أشهر وإن لم يرو أن النبي ÷ أمر به؛ تعويلاً على أنه يجوز أن يكون لم يذكره تعويلاً على أنه معلوم، فليس له أن ينكر ما ذهبنا إليه. ويدل على ذلك ما روى عبدالرحمن بن أبي ليلى أن شراحة الهمدانية جاءت إلى علي # فقالت: إني زنيت، فردها حتى شهدت على نفسها أربع مرات، فأمر بها فجلدت، ثم أمر بها فرجمت(٤).
(١) في (أ، ج): صحتها.
(٢) في (أ، ج): على ما ذكرت.
(٣) «إنه» ساقط من (ب، د).
(٤) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (٣/ ١٤٠).