باب القول في حد الزنا
  ينتظر به البرء؛ لئلا يؤدي ذلك إلى تلفه(١)، ولأن إتلافه غير مقصود إليه، وما رويناه عن علي # أن رسول الله ÷ بعثه إلى جارية زنت ليقيم عليها الحد فوجدها لم يجف دمها، فرجع وعرف النبي ÷، فقال: «دعها حتى ينقطع دمها ثم أقم عليها الحد» فأمر بتأخيرها لما خشي عليها لنفاسها، وعلى هذا لو كان زمان شديد الحر أو شديد البرد وخيف على المضروب وجب تأخير حده إلى أن يخف ذلك، لا خلاف في ذلك.
  ومما يؤكد ما قلناه من طريق النظر أن للعقاب الذي يستحقه قدراً معلوماً، وإذا كان حاله يخشى معها تلفه، والتلف مما لم يستحق - لم يجز أن يقدم فيها على الجلد؛ لئلا يؤدي إلى ما لا يكون مستحقاً له.
  فإن قيل: فذلك يخشى مع سلامة الأحوال أيضاً.
  قيل له: تلك خشية لا أمارة معها، فلا يكون لها حكم.
  وروي أن مريضاً زنى على عهد رسول الله ÷ وخيف عليه من الجلد، فأمر ÷ أن يأخذوا عثكولاً فيه مائة شمراخ فضربه بها ضربة واحدة، وهذا الحديث ذكره يحيى # في الأحكام(٢)، وذكره الجصاص في شرحه(٣).
  وقوله: إن رأى الإمام أن يفعل ذلك بالمريض فعل، وهذا معناه إذا كان المريض لا يرجى برؤه، وخيف عليه أن يموت ولم يقم عليه حد الله فللإمام أن يفعل ذلك، وبه قال أصحاب الشافعي، ذكره ابن أبي هريرة.
(١) في (أ، ج): التلف.
(٢) الأحكام (٢/ ١٧١).
(٣) شرح مختصر الطحاوي (٦/ ١٩٠) وأخرج نحوه في أمالي أحمد بن عيسى (٤/ ٢٠٤) وأبو داود (٣/ ١٦٤، ١٦٥).