كتاب الحدود
  وحصل الخلاف بيننا وبينهم في المعنى والقصد(١) لا في الاسم، فإذا ثبت ذلك وعرفنا حال هذا الوطء أنه لم يعرض أمر يبيحه في الأصل علمنا أنه زنا.
  فإن قيل: روي أن رجلاً تزوج على عهد عمر بامرأة وهي في عدة فأوجب فيه المهر هو وعلي #، ولم يوجبا الحد، واختلفا في المهر، فجعله علي # لها، وجعله عمر لبيت مال المسلمين.
  قيل له: لأن ذلك وقع والرجل غير عالم بالتحريم، ونحن لا ننكر أنه لو لم يعلم التحريم لم يلزمه الحد، فلا حجة لكم فيه.
  فإن قيل: هو وطء وقع عن نكاح فاسد فأشبه النكاح بغير شهود.
  قيل له: هذا(٢) الأقرب على أصولنا أنه إذا تزوج بغير شهود مع العلم بتحريمه أنه يلزمه الحد، على أنا لو سلمنا أنه لا يلزمه الحد فلسنا نسلم أن ذلك نكاح فاسد؛ لأنه نكاح باطل، وفرق عندنا بين الباطل والفاسد؛ لأن النكاح الفاسد هو الذي يجوز أن يصح على وجه من الوجوه، فأما الذي لا يجوز ذلك فيه بتة فهو نكاح باطل، مثل نكاح الذكرين، أو نكاح الأنثيين، ويوضح ذلك ما حكيناه عن العرب في باب الاسم أنهم لا يسمون المأخوذ من الجواري في الغارات إذا وطئن زنا؛ لأنهم اعتقدوا أن ذلك سبب يبيح، ونحن نعلم أنه زنا، فكذلك(٣) ما اختلفنا فيه.
  على أن هذا الوطء عندهم حرام، وإنما يدرؤون الحد للشبهة، والشبهة إما أن تكون داخلة على الواطئ أو يكون الشيء من حكمه أن تكون فيه شبهة، ولم يحصل واحد من الأمرين فيه؛ لأن الواطئ لا شبهة عليه في أنه حرام، والوطء الذي فيه شبهة كالوطء يقع في ملك غير تام، أو في نكاح فاسد مختلف فيه يجوز أن يصححه حاكم من الحكام، أو في ملك فاسد.
(١) في (ب، د): المقصد.
(٢) ف ي (هـ): في هذا.
(٣) في (أ، ج): وكذلك.